قال يوحنا كاسيان: روح الحزن المفسد يظلم النفس، ويحرمها من رؤية الله، ويمنعها من كل صلاح. هذا الروح الشرير إذا ملك على النفس واستحوذ علي الارادة لا يجعلها تصلى بفرح روحانى، ولا يدعها تثابر على قراءة الكتب باجتهاد لئلا تعثر على مفتاح النور فتخرج من فخ الظلمة المخيم عليها. ويصير الانسان متكاسلاً فى كل عمل، مبغضاً للعبادة والصلاة، مسلوب الارادة من رجاء الخلاص، ويهدم كل ما فيه من اشتياق نحو الحياة الابدية حتى انه يقيده يقيود اليأس من رحمة الله. لذلك وجب أن نسهر ونجاهد ضد روح الحزن المفسد لأنه كما تأكل العثة الثوب فيتهرأ، وتأكل الدودة العود الأخضر فييبس، هكذا هذا الروح المفسد يُضعف النفس ويجعلها جافة لا تقبل كلمة نصيحة أو مشورة من إنسان أو تجيب بكلمة هادئة وديعة، بل يملأها مرارة وضجراً وحسداً. ويشير على النفس أن تفر من الناس لزعمها أنهم سبب قلقها واتعابها. ولا يترك النفس البائسة لتعرف أن سبب قلقها وبلوتها ليس هو من الخارج. بل من الداخل. لأنه واضح أن الانسان لا يتوجع من آخر إلا بسبب مرض النفس المختفى فى اعماقها لذلك قال السيد: نظف أولاً داخل الكأس والصحفة."
|
![]() |
|
|||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
مناظرات يوحنا كاسيان |
|||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
|
|||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
مقدمة: بين يديك أيها العزيز مجموعة من اختبارات الكنيسة الأولي في شركتها مع ربنا يسوع. هذه المجموعة، خاصة الجزء الأول والثاني من "مناظرات كاسيان"، اتسمت بالطابع الروحي الذي يمكن لكل مؤمن أن يختبره ويتذوقه ويحيا به. وإذ سجل لنا البعض مقتطفات مختصرة من كتابات الآباء الرهبان أو كتبوا بعض التصرفات الخاصة بهم وهم في أواخر حياتهم بعدما بلغوا شوطًا طويلاً في عبادتهم ونسكهم، تشوهت صورة الرهبنة في أذهان الكثيرين، فحسبوها سباقًا في الزهد والحرمان والتخلي والانفراد والاعتزال عن كل أحد. لكن هذه المناظرات التي هي لمشاهير القادة الرهبان، وغيرها من الكتابات التي جاءت بصورة مستفيضة إلى حد ما، كشفت لنا بحق عن مفهوم الرهبنة أنها ليست إلا سباق في الارتماء في أحضان ربنا يسوع المسيح بعمل روحه القدوس، واغتصاب لنعمة الله الواهبة عشقًا له، وشبعًا بالرب إلهنا، وهم في هذا: يمارسون الزهد كوسيلة لغاية أسمى هي التأمل الإلهي والانشغال بالله والانطلاق بالنفس نحو مخلصها. يمارسون الزهد في اعتدال، كل حسب قامته الروحية واحتياجاته حتى لا يُصابوا بضربة شمالية (الشهوات) أو ضربة يمينية (الكبرياء أو الرياء). الهروب إلى البراري ليس كراهية نحو الناس، ولا فتورًا في محبة الآخرين. فلا يخرج إلى الدير إلا من نجح أولاً في محبة الغير. ولا يخرج إلى الوحدة إلا من نجح في حياة الحب والطاعة والخضوع في نظام الشركة. الحياة الرهبانية هي في حقيقتها اختبار يلزم أن يمارسه كل مؤمن حسب قامته الروحية . فهي دعوة لاختبار الحياة المسيحية الحقيقية من حب وعفة وطاعة وصلاة الخ.، الأمور التي يتقبلها جميع المؤمنين الحقيقيين من يديْ الله، ويجاهدون من أجلها. فالمتزوجون يهتمون كيف يرضي كل واحد امرأته، أما غير المتزوج فيهتم بما للرب (كيف يرضي الرب)... إذ تهبه البتولية فرصة أكبر لتذوق الحب الإلهي ومشاركة السمائيين في الصلاة الدائمة وعدم الانشغال بالأرضيات. قصة هذه المناظرات كما سبق فرأينا هي أن القديس يوحنا كاسيان جاء مع صديقه جرمانيوس من الدير في بيت لحم بسوريا، ليسجلا بعض تعاليم آباء مصر وتداريبهم ليعودا بها إلى رهبان الدير. وقد تعهدا أمام الآباء أن يعودا سريعًا، لكن الحياة الرهبانية جذبتهما فلم يستطيعا العودة، إذ رأيا أنه لا يُمكن أن تسجل على ورق، بل يتشربانها بالحياة العملية. لذا اضطرا إلى البقاء سبع سنوات يتتلمذان في أديرة مصر، رغم الرسائل التي أرسلها إليهما رهبان بيت لحم يستعجلانهما بإلحاح للعودة. هذه المناظرات وغيرها من كتابات القديس يوحنا كاسيان التي استوحاها من برية مصر كانت دستورًا لمدرسة جنوب فرنسا الرهبانية وقد تخرج فيها عدد وفير من قادة الروح والفكر. الجزء الثالث من هذا الكتاب يخص حياة الشركة والتوحد، ويتحدث عن تداريب خاصة بالرهبان وحدهم. فلا يجوز تطبيق شيء مما ورد فيه إلا بعد استشارة أب الاعتراف. الرب قادر أن يترجم هذه الكلمات إلى بركات روحية في حياتنا جميعًا بشفاعات أم النور الطاهرة مريم وطلبات الآباء القديسين. القمص تادرس يعقوب ملطي الطبعة الأولى: الإسكندرية في 1968. ظهور السيدة العذراء بالزيتون. وإعادة جسد القديس مارمرقس إلى بلاده. |
|||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
|