23 بابه: نياحه القديس يوساب الثاني والخمسين من باباوات الإسكندرية 

في هذا اليوم من سنه 841 ميلادية تنيح الأب القديس الأنبا يوساب الثاني والخمسون من باباوات الإسكندرية. كان من أولاد عظماء منوف وأغنيائها، ولما انتقل أبواه وتركاه رباه بعض المؤمنين. ولما كبر قليلا تصدق بأكثر أمواله، ثم قصد برية القديس مقاريوس، وترهب عند شيخ قديس.

ولما قدم الأنبا مرقس الثاني وهو  التاسع والأربعون من باباوات الإسكندرية، وسمع بسيرته دعاه إليه. ولما أراد العودة إلي البرية رسمه قساً وأرسله. فمكث هناك مدة إلى أن تنيح الأنبا سيماؤن الثاني الحادي والخمسون، وظل الكرسي شاغراً إلى أن اتفق بعض الأساقفة مع بعض من عامة الإسكندرية علي تقدمة شخص متزوج كان قد رشاهم بالمال. فلما علم بقية الأساقفة أنكروا عليهم عملهم هذا وصلوا إلى الله أن يرشدهم إلي من يريده فأرشدهم إلى هذا الأب. فتذكروا سيرته الصالحة وتدبيره حينما كان عند الأب الأنبا مرقس، وأرسلوا بعض الأساقفة لإحضاره. فصلي هؤلاء إلى الله قائلين: "نسألك يارب إن كنت قد اخترت هذا الأب لهذه الرتبة،  فلتكن علامة ذلك أننا نجد بابه مفتوحا عند وصولنا إليه". فلما وصلوا وجدوا بابه مفتوحا، حيث كان يودع بعض زائريه من الرهبان. وإذ هم بإغلاق الباب رآهم مقبلين فاستقبلهم بفرح وأدخلهم قلايته. فلما دخلوا أمسكوه وقالوا له: "مستحق". فصاح وبكي وبدأ يظهر لهم نقائصه وعثراته، فلم يقبلوا منه، وأخذوه إلى ثغر الإسكندرية ووضعوا عليه اليد.

ولما جلس علي الكرسي المرقسي اهتم بالكنائس كثيراً. وكان يشتري بما يفضل عنه من موارده أملاكا ويوقفها علي الكنائس. وكان كثير التعليم للشعب لا يغفل عن أحد منهم فحسده الشيطان وسبب له أحزاناً كثيرة. من ذلك أن أسقف تنيس وأسقف مصر أغضبا شعب كرسيهما فأنكر هذا الأب عليهما ذلك، وطلب إليهما مرار كثيرة أن يترفقا برعيتهما، فلم يقبلا منه نصيحة، فاستغاثت رعيتهما قائلة: "إن أنت أرغمتنا علي الخضوع لهما تحولنا إلي ملة أخري". وإذ اجتهد كثيراً في الصلح بين الفريقين ولم ينجح، دعا الأساقفة من سائر البلاد وأطلعهم علي أمر الأسقفين وتبرأ من عملهما، فكتبوا جميعهم بفكهما، فلما سقطا مضيا إلي الوالي بالقاهرة، ولفقا علي الأب قضية كاذبة، فأرسل الوالي أخاه مع بعض الجند لإحضار البطريرك. ولما وصلوا إليه جرد أخوه الأمير سيفه، وأراد قتله، ولكن الله أمال يده عنه فجاءت الضربة في العمود فانكسر السيف. فازداد الأمير غضبا وجرد سكينا وضرب الأب في جنبه بكل قوته، فلم تنل منه شيئا سوى أن قطعت الثياب ولم تصل إلي جسمه فتحقق الأمير أن في البطريرك نعمة إلهية ووقاية سماوية تصده عن قتله، فاحترمه وأتي به إلى أخيه، وأعلمه بما جري له معه، فاحترمه الحاكم أيضا وخافه، ثم استخبره عن القضية التي رفعت عليه، فأثبت له عدم صحتها وأعلمه بأمر الأسقفين. فاقتنع وأكرمه، وأمر بأن لا يعارضه أحد في رسامة وعزل أحد من الأساقفة أو في أي عمل يختص بالبيعة.

     وكان مداوماً علي وعظ الخطاة وردع المخالفين، مثبتاً الشعب علي الإيمان المستقيم الذي تسلمه من آبائه، مفسراً لهم ما أشكل عليهم فهمه، حارساً لهم بتعاليمه وصلواته. وقد أظهر الله تعالي علي يدي هذا الأب عجائب كثيرة. ولما أكمل هذه السيرة المرضية تنيح بسلام بعد أن أقام علي الكرسي تسع عشرة سنة. وفي الرهبنة تسعا وثلاثين. وقبلها نيفا وعشرين سنه. صلاته تكون معنا أمين.