10 هاتور:  نياحة القديس مركيا

اعلموا يا اخوتي أنه كان فى هذا اليوم تنيح القديس أنبا مركيا. هذا الرجل المبارك كان من نجوم الإسكندرية، وخرج إلى البرية، وأقام بها زماناً طويلاً، يتنسك بتعب عظيم وسهر دائم. وأن العدو الخبيث ـ أخذله الله ـ قاتله بشهوة الزنا خمسة عشر سنة، ومن هذا تفكر فى قلبه وقال: "يا مركيا هوذا لك خمسة عشر سنة وأنت مضيق عليك من قبل العدو قم الآن وادخل إلى مدينة الإسكندرية وتهابل فيها من أجل الله، واجعل نفسك هبيلاً".

وأنه قام ودخل إلى المدينة وجعل نفسه هبيلاً وبدأ يمشى فى المدينة، وصار معروف عند كل أهل المدينة. وكان يكسب كل يوم فلوس كثيرة، ويعطيهم صدقة ويصلى ويصوم وكل من ينظره يظن أنه هبيل. وكانت تمشى خلفه مجانين كثيرة بطول السكك والشوارع. فاتفق لأنبا دانيال التوجه إلى مدينة الإسكندرية ليجتمع بالبطريرك فى عيد الفصح كالعادة، فصادف هذا القديس فى السوق وهو عريان وخلفه مجانين يمشوا معه وهو يطوف فى المدينة، وكان يسكن فى الديماس بالإسكندرية. فلما أبصره أنبا دانيال قال لتلميذه: "أسرع يا ابني واعرف أين يسكن هذا الهبيل". وإن التلميذ مشى واستخبر، فعرفوه أنه يسكن فى الديماس.

فلما مضى الأب دانيال إلى البطريرك وتكلموا بعظائم الله، خرج وصادف مركيا الهبيل، وللوقت أمسكه الشيخ وصرخ قائلاً: "تعالوا يا أهل المدينة وانظروا عبد الله". وللوقت اجتمعوا عليه أهل المدينة وقالوا له: "يا أبونا اتركه لئلا يحرق بك لأنه هبيل". فقال لهم أنبا دانيال: "أنتم الهبلاء ما فى البرارى ولا فى هذه المدينة مثل هذا القديس، والعالم كله ما يستحقه". وللوقت أمسكه ومضى به إلى الأب البطريرك وقالوا له: "يا أبونا ليس فى هذا العصر إنساناً يشبه هذا الصِّديق". وللوقت علم البطريرك أن الشيخ قد كشف له عن أمره وللوقت خضعوا له وشددوا عليه لكى يعرفهما سيرته التى هو مضيق بها فأراد أن يخفى عنهما، فلم يقدر. فقال: "أنا راهب وكانت شهوة الزنا قد ملكت علىَّ فقمت وعبرت هذه المدينة وتهابلت فيها من أجل الله، وهوذا لى هاهنا ثمانية سنين وأنا مثابر على صلواتى ونسكى، أسهر الليالى وأصوم الأصوام على الدوام. وللوقت لما سمعوا الشيوخ بكوا.

أما القديس أنبا دانيال فإنه اضجع تلك الليلة فى قلاية البطريرك، ولما أصبح، قال لتلميذه: "امض يا ابنى واستدعى مركيا ليصلى علينا لنذهب إلى البرية". ولما مضى التلميذ إلى حصن الديماس حيث يسكن، فوجده قد تنيح فى الرب. فرجع وعرف أباه. أما الشيخ أنبا دانيال فإنه عرف البطريرك بنياحته. وللوقت أرسل إلى الأديرة وجمعوا الرهبان فأتوا من شيهات وعليهم ثياب جميلة وبيدهم أغصان الزيتون وسعف النخل، وأتوا رهبان دير الزجاج، واجتمعت الجموع لا تحصى. فعيدوا له بكرامة عظيمة ولم يقدروا أن يدفنوه إلا بعد كمال خمسة أيام، ورفعوا عليه بخوراً طيباً وأهل المدينة يمشوا معه وبأيديهم الشمع الموقود والبخور، وجنزوا عبد الله وهم باكون عليه. وظهرت من جسده العجائب الكثيرة من شفاء الأمراض، وإخراج الشياطين، ومداواة الأسقام. ودفنوه بكرامة عظيمة وهم ممجدين الله، الذى يعطى المجد هكذا للذين يحبونه، ويصنعوا إرادته، فى كل حين، فإنه يمجدهم على الأرض ويملكهم خيرات ملكوت السموات التى لا تزول ولا تنقضى، مالم تره عين ولم تسمع به إذن ولا يخطر على قلب أحد. الرب الإله يرحمنا بصلاته إلى النفس الأخير. أمين.