15هاتور:  شهادة القديس مارمينا العجائبي

في هذا اليوم استشهد القديس مينا الملقب بالأمين المبارك كان والده أوذكسيوس من أهالي نقيوس وواليا عليها، فحسده أخوه وسعي به عند الملك. فنقله إلي أفريقيا وولاه عليها ففرح به أهلها لأنه كان رحوماً خائفاً من الله.

أما أمه إذ لم يكن لها ولد، وذهبت فى أحد الأيام إلي الكنيسة في عيد السيدة البتول والدة الإله الكائنة بأتريب، ونظرت الأولاد في الكنيسة بملابسهم النظيفة مع والديهم فإنها تنهدت وبكت أمام صورة السيدة العذراء متوسلة بها إلي ابنها الحبيب أن يرزقها ولداً. فخرج صوت من الصورة قائلاً: أمين. ففرحت بما سمعت وتحققت أن الرب قد استجاب صلاتها. ولما عادت إلي منزلها وأخبرت زوجها بذلك، قال لها: فلتكن إرادة الله. وقد رزقهما الله هذا القديس فأسمياه مينا كالصوت الذي سمعته والدته. ولما نشأ علماه الكتابة وهذباه بالآداب المسيحية. ولما بلغ من العمر أحد عشرة سنه توفي والده بشيخوخة صالحة. ثم والدته بعد ثلاث سنين. فكرس هذا القديس حياته للصوم والصلاة والسلوك المستقيم، حتى أنه من حب الجميع له ولأبيه، أقاموه مكان أبيه. ومع هذا فإنه لم يتخل عن عبادته.

ولما ارتد دقلديانوس وأصدر أوامره بعبادة الأوثان، واستشهد كثيرون علي اسم السيد المسيح، ترك هذا القديس ولايته ومضي إلي البرية حيث أقام هناك أياما كثيرة يتعبد لله من كل قلبه.

وذات يوم رأي السماء مفتوحة والشهداء يكللون بأكاليل حسنة وسمع صوتا يقول: من تعب علي اسم المسيح ينال هذه الأكاليل. فعاد إلي المدينة التي كان والياً عليها واعترف باسم المسيح، فلاطفوه أولاً لعلمهم بشرف أصله وجنسه، ووعدوه بعطايا ثمينة. ثم توعدوه، وإذ لم ينثن عن رأيه أمر القائد بتعذيبه. ولما عجز عن تحويله عن إيمانه بالمسيح. أرسله إلى أخيه عساه يتمكن من التأثير عليه، ولكنه فشل أيضا. وأخيراً أمر بقطع رأسه بحد السيف وطرح الجسد في النار، وتذرية رماده في الرياح. فلبث الجسد فيها ثلاثة أيام وثلاث ليال لم ينله فساد. فتقدمت أخته وبذلت أموالا كثيرة للجند حتى أخذت الجسد، ووضعته في فرد (جوال) خوص وعزمت علي التوجه إلى الإسكندرية كما أوصاها أخوها، فركبت ومعها جسد أخيها إحدى المراكب إلى الإسكندرية. وقد حدث أثناء سيرهم، أن طلعت عليهم وحوش بحرية لافتراس ركاب المركب. ففزعوا  وصرخوا. فصلت أخت القديس إلى الله واستشفعت بأخيها. وبينما كان الركاب في فزع واضطراب خرجت نار من الجسد إلى وجوه تلك الوحوش، فغطست لوقتها في الماء، ولما عادت إلى الظهور مرة ثانية لحقتها النار أيضا. فغطست ولم تعد بعد.

ولما وصلت المركب إلى مدينة الإسكندرية، خرج أغلب الشعب مع الأب البطريرك وحملوا الجسد الطاهر بكل إكرام واحترام، وأدخلوه المدينة باحتفال مهيب وأودعوه في الكنيسة بعدما كفنوه بأكفان غالية.

ولما انقضى زمان الاضطهاد، ظهر ملاك الرب للقديس المكرم البطريرك أثناسيوس الرسولى، وأعمله بأمر الرب أن يحمل جسد القديس مينا على جمل ويخرج من المدينة. ولا يدع أحدا يقوده بل يتبعه من بعيد، حتى يقف في المكان الذي يريده الرب فساروا وراء الجمل حتى وصلوا إلي مكان يسمي بحيرة بياض بجهة مريوط. وحينئذ سمعوا صوتا يقول: هذا هو المكان الذي أراد الرب أن يكون فيه جسد حبيبه مينا. فأنزلوه ووضعوه في تابوت وجعلوه في بستان جميل وجرت منه عجائب كثيرة.

وحدث بعد ذلك أن ثار أهالي الخمس المدن علي البلاد المجاورة للإسكندرية. فتأهب الأهالي للقاء هؤلاء البربر، واختار الوالي أن يأخذ معه جسد القديس مينا ليكون لـه منجياً وحصناً منيعاً. فأخذه خفية، وببركة هذا القديس تغلب على البربر وعاد ظافراً منصوراً، وقد صمم الوالي علي عدم إرجاع جسد القديس إلى مكانه الأصلي وأراد أخذه إلى الإسكندرية. وفيما هم سائرون مروا في طريقهم علي بحيرة بياض مكانه الأصلي، فبرك الجمل الحامل لـه ولم يبرح مكانه رغم الضرب الكثير، فنقلوه علي جمل ثان فلم يتحرك من مكانه أيضا. فتحقق أن هذا أمر الرب، ثم صنع تابوتا من الخشب الذي لا يسوس ووضع فيه التابوت الفضة ووضعه في مكانه. وتبارك منه وسافر إلى مدينته.

ولما أراد الرب إظهار جسده المقدس كان في البرية راعي غنم قد غطس منه يوما ما خروف أجرب في بركة ماء كانت بجانب المكان الذي به جسد القديس. ثم خرج وتمرغ في تراب ذلك المكان فبريء في الحال. فلما عاين الراعي هذه الأعجوبة بهت وصار يأخذ من تراب ذلك المكان ويسكب عليه الماء ويلطخ به كل خروف أجرب، أو به عاهة فيبرأ في الحال، وشاع هذا الأمر في كل الأقاليم حتى سمع به ملك القسطنطينية، وكانت له ابنة وحيدة مصابة بمرض الجذام. فأرسلها أبوها إلى هناك، واستعلمت من الراعي عما تفعل. فأخذت من التراب وبللته بالماء ولطخت جسمها ونامت تلك الليلة في ذلك المكان، فرأت في نومها القديس مينا وهو يقول لها: قومي باكراً واحفري في هذا المكان فتجدي جسدي. ولما استيقظت وجدت نفسها قد شفيت. ولما حفرت في المكان وجدت الجسد المقدس فأرسلت إلى والدها وأعلمته بالأمر ففرح كثيراً وشكر الله ومجد اسمه. وأرسل المال والرجال وبنى في ذلك الموضع كنيسة، كرست في اليوم الخامس عشر من شهر بؤونة.

ولما ملك أركاديوس وأنوريوس أمر أن تبني هناك مدينة وكانت الجماهير تتقاطر إلى تلك الكنيسة يتشفعون بالقديس الطوباوي مينا. وقد شرفه الله بالآيات والعجائب التي كانت تظهر من جسده الطاهر، ومع دخول العرب مصر اعتدي البعض علي المدينة وتهدمت الكنيسة ولم تبق الى آثارها.

وعندما ارتقى غبطة البطريرك المتنيح البابا الأنبا كيرلس السادس كرسي الكرازة المرقسية، اهتم بإقامة دير كبير في تلك المنطقة باسم القديس مارمينا ، انفق عليه مبالغ طائلة، وبالدير كنيستان يزورهما شعب الكرازة المرقسية للتبرك والصلاة. كما اشترى أيضا مائة فدان وأقام سوراً لإحاطتها. وقد رسم عددا من الآباء الرهبان الذين نالوا قسطاً وافراً من الثقافة العلمية والدينية.

شفاعة القديس مارمينا تكون معنا. ولربنا المجد دائماً أبدياً. آمين.