21هاتور:  نياحة القديس العظيم أبو يحنس بجبل أسيوط 

فى هذا اليوم تنيح القديس العظيم أبو يحنس بجبل أسيوط وهذا كان منها وأبائه مسيحيين. وهذا طلب السيرة الفاضلة العزيزة، ومضى إلى شيهات وترهب هناك، وعمل عبادات كثيرة. فلما جاء وسكن فى الجبل قبالة المدينة أقام أيام وانتقل إلى داخل الجبل. فصعدوا الرهبان الذين فى دير الهنادة وبنوا له هناك حصن كبير وبنوا له داخله حبس وسكن فيه. وكانوا يفتقدوه فى كل أسبوع بحبوب مبلولة يقتات بها، ولم يكن يأكل خبزاً بالجملة. وأبونا العظيم أبو شنودة وخاله بيجول وقريبه القديس أبو ابشاى حضروا لزيارته فأما أبونا أبو شنودة فكان يتردد إليه دفوع كثيرة وفى كل دفعة يمضى إلى زيارته فكان يجوز على كنائس الشهداء والقديسين. فيرسلهم السيد الملك العظيم المسيح بالروح يعزوه ويفرحوا معه حتى يوصلوه إلى مدى بعيد. ففكر القديس أبو شنودة أن يغير طريقه ويسير فى الجبل، فحضروا إليه الشهداء وقالوا له إن الذى أنت متجند له يسوع المسيح الإله الحقيقى الكثير التحنن والرأفة هو الذى يرسلنا إليك. فلو انتقلت إلى كل طريق تتوجه إليها، فنحن بأمره نتيعك ونمشى معك. ولما سمعوا رهبان الهناده بأبونا شنودة وتردده إلى عند القديس أبو يحنس، فصعدوا إلى الجبل وطلبوا منه أن ينزل معهم إلى ديرهم ويبارك فى مجمعهم. فحضر معهم وقدس وقربهم ووعظهم. ولما سمع أكابر مدينة أسيوط من بعد انصراف القديس العظيم أبو شنودة أتوا إلى الدير وبنوا له كنيسة فى هذا الدير تذكار لوصوله إلى بلادهم وهى باقية إلى يومنا هذا بجانب كنيستهم التى على اسم رئيس الملائكة ميخائيل.

فلما كان يوم الناروز اجتمع أهل المدينة كلهم فريقين، ودخلوا جماعة من الفريق الواحد إلى الحمام فأتى أولئك الأخرون وأغلقوا الباب واشعلوا النار فى المستوقد حتى مات كل من بالحمام ، ولم يكتفوا بذلك حتى بنوا قاعات  ومواضع للسراع واللكام والبقات وللمقاتلين وضانات لأولاد الخطأ.

فلما انتهى الخبر إلى تاوضوسيوس الملك بالمدينة العظيمة القسطنطينية، أرسل للوقت أمير كبير، معه عسكر عظيم وأمره بأن يذهب إلى مدينة أسيوط ويخربها ويحرقها بالنار وكل من فيها. فاتصل الخبر إلى أهل المدينة فحزنوا حزناً عظيماً وصعدوا إلى القديس وعرفوه بجميع ما سمعوه من الخبر الصعب المقلق. فعزاهم وقال لهم ما تضيع شعرة واحدة من رأس أحداً منكم. بل كونوا مستعدين إذا وصل الأمير أن تخرجوا إليه وتلقوه بالأناجيل والصلبان والمباخر وسعف النخل وأغصان الزيتون. واقروا قدامه حتى توصلوه إلى قرب المدينة وعرفوه أن يصعد إلى عندى ويجتمع بى قبل دخوله إلى المدينة. فصنعوا كما أمرهم.

فأما ذلك الأمير لما وصل إلى أنصنا فأخذ والى أنصنا بصحبته وجمع حشود كثيرة لخراب المدينة. فلما وصل وتلقوه بالفرح والقراية والتسابيح وعرفوه بأبونا القديس أبو يحنس قائلين أنه يشتهى الاجتماع بك قبل دخولك المدينة.

فلما سمع باسم القديس فرح كثيراً وسر الأمير لأنه كان قوى الأمانة المستقيمة وكان خائفاً من الله طول أيامه، وكان له ولد وحيد به شيطان يصرعه ويخبطه، حتى انه يضرب كل من يجده ويكسر الأولنى التى يجدها قدامه. وكان طول الأيام مقيد بالحديد. فلما سمع أن الملك يرسله إلى الديار المصرية فرح فرحاً عظيماً جداً وأخذ ولده بصحبته وهو مقيد بأغلال الحديد. ولما وصل إلى الجبل إلى عند القديس العظيم أبو يحنس، وفتحوا له الحصن ودخل إلى باب الحبس، فكلمه القديس من الطاق التى كان يكلم الناس منها، وسلم عليه وباركه وقال له الرب الإله يعطى الشفاء لولدك ويرد حزنك إلى فرح. وتعجب الأمير من ذلك كثيراً وأمر للوقت بإحضار ولده، فأحضروه وهو مكبل بالحديد. فأخذ القديس قليل ماء فى وعاء وجعل عليه يسير من زيت المذبح المقدس ودهن به الصبى ورشه بذلك الماء. فصرخ الشيطان عند ذلك قائلاً احرقتنى يا ابو يحنس أنا اقسم عليك بالإله العظيم أن لا ترسلنى إلى الجحيم. فخرج منه مثل الدخان ورجع للصبى قلبه كأنه لم يناله مكروه. ففرح الأمير وجميع من كان معه بعافية الغلام.

فأما أبوه فإنه سأل القديس أن يطلب منه حاجة. فقال له القديس العظيم إننا كلنا محتاجين إلى رحمة المسيح وقد قال إلهنا ومخلصنا فى إنجيله المقدس اغفروا يغفر لكم. وأنا أطلب منك أن تسامح أهل هذه المدينة. فقال له يا أبونا قدسك عارف إنى رسول، وأنا أطلب منك أن تشير علىَّ بما اعتمده. فقال له القديس أريد أن تكتب مطالعة إلى الملك وتعرفه إنى شفيع فى أهل هذه المدينة.

وللوقت امتثل لأمر القديس وكتب رسالة إلى الملك تاوضوسيوس وعرفه فيها بوصوله بالسلامة إلى أرض مصر وباجتماعه بالقديس أبو يحنس وبعافية ولده وأن يشفع فى أهل المدينة وروح للوقت والساعة وكان ذلك الوقت تاسع ساعة من النهار وختم الرسالة بخاتمه وأعطاها لوالى أنصنا فختمها وكذلك والى أسيوط ختمها. ولما ختموها أعطوها للقديس فقال للصبى امضى إلى المدينة واسترح مع عسكرك إلى الغد وتعود إلىَّ بقوة المسيح.

فأما أبونا فبسط يديه وصلى ولما كانت رابع ساعة من الليل حضرت إليه سحابة نور وحملته من الحبس الذى هو فيه وأوصلته إلى مجلس المدينة بالمدينة العظمى القسطنطينية. وكان ذلك الملك جالس والملكة وكثير من عظماءه العزيزين عنده. ولم يعلم إلا وقد نزلت المطالعة  من القاعة. فرفع نظره وأبصر السحابة تتلألأ. فحينئذ تناول الملك الرسالة وأبصر الختوم التى عليها وعرفهم. وأمر أحد خواصه أن يقرأ الرسالة. فتعجب الملك كثيراً مما قد جرى وأمر أن تكتب رسالة للأمير جواباً وعرفه أن يبقى المدينة لا يلمسها بمكروه إكراماً للقديس أبو يحنس لأن الله راضى على خليقته لأجل صلاته وقدسه المقبول. بل المواضع التى فيها الملاعب التى كانوا يجتمعون فيها يهدمهم سريعاً وأن يذكر الملك والملكة فى صلاته. وكتب الرسالة فى النصف من الليل من مجلس الملك ثم أنه ختمها ورفع رأسه وطلب هكذا قائلاً أيها الإله العظيم ملكى يسوع المسيح اجعلنى مستحق أن أنظر من يأخذ هذه الرسالة. ثم أنه حكمها إلى فوق نحو السحابة التى نظرها، فمد القديس ذراعه خارجاً من السحابة وأمسك الرسالة. واقامت يده ساعة وهى ممدودة وهو يبارك على الملك. وللوقت انصرفت السحابة وأوصلت القديس إلى حبسه سحراً قبل اشراق النور.

ولما كان الغد طلع الأمير ووالى أنصنا ووالى أسيوط وصحبوا القديس وسلموا عليه . فدفع لهم الرسالة فقروها وفرحوا فرحاً عظيماً ومجدوا الله وسبحوا إله إسرائيل. وللوقت نزلوا إلى المدينة وهدموا الملاعب كما أمر الملك. وسلمت المدينة وأهلها وعاد الأمير إلى الملك بفرح عظيم بعافية ولده، واخبر الملك بجميع ما عاين من العجائب التى نظرها من أبونا القديس أبو يحنس.

صار رجلاً جبار يطلع فى كل يوم إلى الجبل يقطع الحجر ويجوز على القديس ويقول له يا أبونا أنا فى عدم وقلة، أنا أطلب من قدسك بأن تسأل السيد المسيح عنى عسى أن يفتح لى بشئ لقوام حياتى لأنى فى مضرة وفى شدة وجهاد وتعب بلا فائدة. ثم أن أبونا القديس العظيم ماريوحنا سأل المسيح فى صلاته من أجل ذلك الجبار، ليفتح له بشئ لأنه كان كل يوم يجوز عليه ويصيحه ويقول له يا أبونا لا تنسانى، فصار القديس يطلب من أجله كثيراً. ولما كان ذات يوم وهو يقطع الحجر فانفتح له مكان ووجد فيع تسع سماويات مملوة مالاً.

ولما أخذ المال ماوسعه بلاد أسيوط ولا غيرها بل إنه مضى إلى القسطنطينية وأخذ الولاية على مدينة أسيوط وأعمالها. وإنه جاء إلى المدينة وظلم الخلق ظلماً عظيماً. وكان الناس فى شدة من أجله كمن هم فى سكرات الموت. فطلعوا للقديس واعلموه بما كان وقالوا له أى وقت بقى هذا الأمير فى هذه المدينة ما يبقى فيها أحد، وهو يخربها. فقال القديس العظيم لا تحزنوا القوا اهتمامكم للملك العظيم يسوع المسيح وهو يعولكم. يا أولادى تعطفوا على المساكين والأرامل والأيتام والمنقطعين لأن مقامنا فى هذه الدنيا كمثل الظل الزائل. لا تكبروا لكم كنوز فى الأرض حيث الأكله والسوس. يا أولادى أنا أقول لكم إن من غضب على أخيه لأجل قش هذا العالم البطال فقد وجب عليه نار جهنم. وكان قوم من الذين طلعوا إلى القديس بسبب الأمير وظلمه كانت بينهم مخاصمة عظيمة لأجل حطام هذه الدنيا الغرارة الفانية. فلما سمعوا منه هذه التعاليم النيرة فرحوا فرحاً عظيماً وزال الشر من قلوبهم واصطلحوا مع بعضهم. وبعد قليل جاء أمير كبير من عند الملك وخرجوا أهل المدينة للقائه بفرح عظيم. وللوقت اعتقل ذلك الظالم الغاشم وسيره تحت الحوطة. فسباه الملك وأراد يشنقه، فشفعوا فيه فتركه وأنه جاء إلى مدينته وبقى فى صنعته ومعيشته كما كان أولاً وأنه جاز على القديس وسلم عليه ففرح أبونا كثيراً لأجله لأنه خاف أن يصيبه شئ يطالب الله به .

وإن أبونا قال المجد لربنا يسوع المسيح الذى يدبر ملكه كما يشاء. وصنع هذا الأب القديس آيات كثيرة عجيبة وشفى المرضى بأصناف الأمراض وإخراج الشياطين. وبعد هذا تنيح ومضى إلى الرب الذى أحبه. الرب الإله يخلصنا من هذا الزمان بصلواته أمين.