01 طوبة: القديسة باسيليس والشهيد يوليان ورفقائهما الشهداء بمنطقة أنتينوى أى أنصنا (ملوى بصعيد مصر)

 عن كتاب : القديسة باسيليس والشهيد يوليان إصدار دير الشهيد أبى سيفين للراهبات بمصر القديمة

نشأ يوليان وسط عائلة مسيحية تقية تجمع بين الغنى الروحى والمادى والسمعة الطيبة فى ذلك العصر. وقد اهتم والداه بتربيته تربية حسنة، فتعلم علوم عصره ونبغ فى اليونانية اللاتينية وتدرب على ممارسة الفضيلة وتعمق فى دراسة رسائل معلمنا بولس الرسول، فاتسعت روحه لتفهم العلوم الإلهية.    شب يوليان على حب الفضيلة، فتأصلت فى قلبه، فكان حريصاً على حضور صلاة القداس الإلهى والتقدم للتناول من الأسرار المقدسة وكان يقضى معظم وقته فى قراءة ومتابعة أخبار الشهداء والقديسين، كما كان دائم التردد على زيارة الآباء الكهنة والمكرسين بمنطقة أنصنا، ولما كانت شهوة قلبه أن يهب نفسه لله، مكرساً له كل حياته، لذا حفظ نفسه طاهراً وسط كل إغراءات المدينة.

وذات يوم أحب والداه التقيان أن يقدما له النصيحة فقالا له: "أيها الابن المحبوب، ليس لنا من الأبناء سواك، وأنت تعلم أية محبة نكنها لك، وأن معلمنا بولس الرسول يوصى بارتباط الشباب بسر الزواج، لكى يهربوا من حيل ومحاربات عدو الخير". أجاب يوليان: "والدىَّ الكرام، إن مثل هذا الفكر لم يتردد بعد إلى ذهنى، وسعادتى هى أن أظل هكذا معكما، فأنا لم أصل بعد إلى السن ولا العزيمة للارتباط بالزواج. وإنى واثق فى إلهنا القدوس القادر بنعمته أن يسهل لى ممارسة حياة الفضيلة".        ولما اشتد إلحاح الوالدين والأصدقاء عليه، أجابهم يوليان بقوله: "إن ما تطلبونه منى هو فى علم الله، فاتركوا لى فترة سبعة أيام حتى أفكر وأعطيكم إجابة". قبل الوالدان هذا العرض ولكنهما ظلا قلقين طوال هذه الفترة خوفاً من أن تأتى الإجابة بالرفض النهائى.

أما يوليان، فقد قضى هذه المدة ـ السبعة أيام ـ صائماً ومصلياً، راجياً من الله أن يحفظ بتوليته. وفى صباح اليوم السابع، إذ كان يوليان منهكاً من الصوم والسهر، نام، فظهر له فى حلم إلهنا الصالح القدوس الرب يسوع، وعزاه وثبته فى هدفه النبيل قائلاً له: "لا تخف يا يوليان، تمم مشورة والديك وخذ الزوجة التى يرونها صالحة لك، وأنتما الاثنان ستعيشان فى حياة البتولية، وستأتى إليكما نفوس كثيرة لتعيش معكما فى الحياة الفاضلة، وفى ليلة عرسك ستجدنى مع جمع من الملائكة فى منزلكما". وعند الانتهاء من هذا الحديث، باركه الرب قائلاً: "تشجع يا يوليان وليتقو قلبك".استيقظ الشاب من نومه يشعر بسلام عميق، وخرج من حجرته واتجه نحو والديه قائلاً: "سأطيع أمركما، فالله يريد لى الزواج وهو سيحتفظ لى فى هذا السر ببركات كثيرة". تهلل الوالدان فرحين، وأسرعا فى البحث عن فتاة تتصف بالتقوى تناسب ابنهما، فوقع اختيارهما على فتاة تدعى باسيليس، كانت ابنة وحيدة لوالديها، تنتمى إلى أصل تقى وشريف. وتم اتفاق الطرفين سريعاً، وتم الاحتفال بالزواج فى وجود العديد من الآباء الكهنة وكان الحفل عظيماً.

وعندما وصل العروسان إلى منزلهما، جثا يوليان على ركبتيه واستغرق فى صلاة عميقة وحارة، وللوقت فاحت رائحة عطرة كرائحة زهور السوسن وانتشرت فى كل المنزل بالرغم من أن الوقت كان شتاءً وليس وقت إزهار. فركعت باسيليس بدورها وقالت لرجلها: "أيها الزوج الحبيب إنى أشعر فى داخلى بأمر عجيب، إن هذه الرائحة العطرة لزهور السوسن على الرغم من أننا فى فصل الشتاء تحثنى على ألا أفكر إلا فى عبير الفضائل، فياليتنا نحيا معاً للمسيح كأخوة".

غمر يوليان فرح سماوى عميق هز كل كيانه عند سماعه هذه الكلمات، وشعر بلمسات النعمة الإلهية الرقيقة وهى تحقق له بطريقة عجيبة كل اشتياقات قلبه، وقال لعروسه: "يا أختى الحبيبة، إن هذه الرائحة العطرة ليست فى الحقيقة إلا رائحة ربنا يسوع المسيح، العنبر الفائق عطره، الذى وعد بالحياة الأبدية لكل الذين يحبونه ويحفظون أنفسهم أطهاراً له وينفذون وصاياه ويفضلون الحياة معه ولأجله، إذاً فلنحبه كى ننعم معه فى السماء". وبينما كان الاثنان ساجدين على الأرض يصليان، اهتزت أساسات المنزل وظهر نور ساطع جداً وأضاء كل المنزل، وكان هذا النور باهراً جداً، أقوى من نور الشمس فى شدة قوتها، وفى وسط هذا النور ظهر ربنا يسوع المسيح الملك جالساً على عرش عظيم، ومحاطاً بجمع عديد من الملائكة. كما ظهرت عن يمينه العذراء القديسة الطوباوية مرتمريم وفى صحبتها مجموعة من العذارى، وكانت الملائكة ترتل قائلة: "طوبى لك يا يوليان"، بينما كانت العذارى تُجيب: " طوبى لك يا باسيليس لأنكِ رفضتى كل ملذات الأرض". وعادت الملائكة تردد قائلة: "يا جنديا المسيح يا من غلبتما شهوات وخداع هذا العالم الباطل، لقد كُتبت أسماءكما فى سفر الحياة". حينئذ تقدم أحد الملائكة ووضع إكليلين من الذهب على رأسى العروسين. ثم انتهت الرؤيا تاركة إياهما فى فرح عجيب. وقضيا الليلة الأولى فى التسبيح والتمجيد وشكر الله.

مرت أيام التعزيات سريعاً، ودخلت باسيليس ويوليان فى تجربة وفاة والدىَّ كل منهما الواحد تلو الآخر، فبالرغم من محبتهما الشديدة وتعلقهما بوالديهما إلا أنهما سلما الأمر لإرادة الله، ورأيا فى هذا الفراق الصعب درساً للتجرد الكامل عن العالم، ووجدا أن الروابط القوية التى كانت تربطهما بالأرضيات قد تلاشت من تلقاء نفسها، ولم يعد لديهما من المشاغل ما يعطلهما عن التفكير الدائم فى الحياة الأبدية. وباتفاق الطرفين قسما المنزل إلى قسمين منفصلين، ينشغل كل منهما فيه بالأعمال الصالحة: الاهتمام بالفقراء، ومعالجة المرضى، والتخفيف من آلامهم، فتهتم باسيليس بالعذارى والأرامل. بينما يستضيف يوليان الشباب والرجال دون مقابل مما جعله مستحقاً للقب "مضيف الغرباء". وبسرعة تزايدت الأنشطة وضاق المكان وتأسست فروع أخرى تابعة ليوليان فى أماكن عديدة حيث تبعه الآلاف من الشباب، بينما كانت باسيليس تقود عدداً كبيراً من العذارى والأرامل فى حياة الطهارة والعفة.

وفى هذه الآونة هبت عاصفة شديدة من الاضطهاد على الكنيسة، وبدأ يتلاشى السلام الدينى الذى كان مزدهراً وتتمتع به مصر ـ منذ حوالي اثنتي عشر عاماً ـ باعتلاء دقلديانوس ومكسيميانوس عرش قيصر إذ كانت إبادة المسيحية هى أول هدف فى خطتهما، وكان كل منهما متعطشاً لإراقة الدماء، لذا أصدرا منشور الاضطهاد من روما وتسلمه حاكم مصر، وقُرئ المنشور فى كل أنحاء البلاد. وفى مدينة أنصنا صفق له الوثنيون بينما ساد الذعر والاضطراب بين المؤمنين. وعند انتشار خبر هذا المنشور، اضطرب يوليان و باسيليس جداً خوفاً على أولادهما الروحيين، فاتفقا معاً على الصوم والصلاة. وفى الحال جثيا يصليان إلى الله بأنين قائلين: "أيها الآب العارف وحدك بأسرار المستقبل أنر بوجهك علينا، واسمع صلواتنا ولا تسمح بهلاك أحد من قطيعك، ولا أن يبتلع الذئب أحداً من خرافك. أيها المسيح إلهنا ارحمنا، نسألك يارب أن لا تسمح بأن يهلك أحد من أبناءك الذين ائتمنتنا عليهم ولا أن يخسر أحد منهم الحياة الأبدية فى يوم مجيئك.."

وفى الليلة التالية رأت باسيليس رؤيا وسمعت صوتاً يناديها قائلاً: "يا ابنتى عما قريب سأدعوكِ إلىَّ أما يوليان، فما زال أمامه جهاد على الأرض، فهو سيتألم كثيراً من أجل اسمى ولكنى سأُجرى على يديه الكثير من العجائب". استيقظت باسيليس وأخبرت يوليان بما رأته وسمعته بالتفصيل، ثم استدعت بناتها قائلة: " لنشكر الله الذى سبق وعرفنا بأسرار خفية، فعن قريب ستنتهى حياتنا وتأتى الساعة التى نتمتع فيها بالحياة الأبدية، إذن فلنطهر ذواتنا من كل دنس، لأن انتقالنا من هذا العالم قد اقترب ويسبق ضحايا الاضطهاد، ولنسامح بعضنا بعضاً ولنطهر قلوبنا من الغضب أو الحقد لأن طهارة الجسد وحده ليست كافية". حينئذ اهتزت أساسات الحجرة التى اجتمعن فيها، وظهر عمود شامخ أمام أعينهن جميعاً وكان محفوراً عليه ما يلى: "هذا ما يقوله الأول والآخر، كل أولئك العذارى هن آنية مقدسة أمام عينىَّ، فهيا لترثن الملك المعد لكن". وبمجرد الانتهاء من قراءة هذه الكلمات، انتهت الرؤيا تاركة العذارى مغمورات بفرح عجيب لا يوصف.

وفى أمد قصير، تحققت النبوة وسريعاً ما غادرت أولئك العذارى هذا العالم الفانى الواحدة تلو الأخرى. أما باسيليس فقد بقت وحدها. وذات يوم بينما كانت جالسة تبكى فراق بناتها، أراد الله أن يعزيها بتعزية سماوية. فإذ بها ترى كل بناتها وهن يتمتعن بمجد الفردوس، فأسرعت باسيليس وأخبرت يوليان بذلك. فجثيا ليشكرا الله على صنيعه، وبينما كانا يصليان أسلمت باسيليس روحها بسلام وانتقلت إلى النعيم الأبدى.

أما عن منشور الاضطهاد، فقد تم توزيعه على كل أنحاء مصر، ولكن تنفيذه فى أنصنا قد تأجل قليلاً لحين وصول السلطة العليا، مما أتاح لمسيحى المدينة التمتع ببعض الهدوء النسبى عن باقى مدن مصر، ولكن هذا الهدوء لم يلبث إلا قليلاً، فقد لاحت فى الأفق على ضفتى النيل أشرعة المراكب وسفن الموكب الملكى. وكان الحاكم مركيانوس رجلاً يتسم بالنشاط وقسوة الطبع، عنيفاً يُستشاط غضبه بسهولة، منفذاً صارماً للأوامر التى يتلقاها، لا يتراجع أمام أى عائق، كل ما يشغله فى نشاطه الإدارى هو اتمام عمله وواجبه الذى يتجاوز كل مشاعر قلبه وعواطفه الإنسانية. فهو ممثل عظيم لروما حيث العقل لديه يغلب ويقتل كل مشاعر القلب.

وما إن دخل مركيانوس إلى المدينة حتى بدأ حملته بإعلان الأوامر الآتية: "يجب إقامة تماثيل للآلهة فى كل شارع من شوارع المدينة، ويجب أن تقدم التضحية للآلهة قبل الشراء أو البيع أو القيام بأى عمل، ويجب إقامة تمثال للإله جوبيتر فى كل منزل". وبسرعة انتشر الجواسيس ـ نظير أجور زهيدة ـ لمتابعة الخضوع والطاعة وتنفيذ أوامر مركيانوس الذى كان يقود بنفسه حملة الاضطهاد ومعه زوجته وابنه الشاب سلسيوس الذى لم يكن قد تجاوز من العمر خمسة عشر عاماً. ولما كان يوليان معروفاً أنه من أشراف وأغنياء المدينة، فقد وشى به لدى الحاكم مركيانوس بعدم خضوعه ـ هو ورفقائه ـ للأوامر الصادرة وأنهم يرفضون التضحية للآلهة ويفضلون الموت. لذا أصدر الوالى أمراً بالقبض عليه. وتوجه أحد كبار جند الحاكم وبصحبته مجموعة من كبار الشخصيات نحو منزل يوليان حيث وجدوا معه العديد من الكهنة والمكرسين. حينئذ بادره القائد قائلاً: "أيها النبيل يوليان، من المؤكد أنك على علم بالمنشورات الحديثة التى أصدرها أميرنا العظيم والتى تتعلق بعبادة الآلهة، لقد نظر جلالة الوالى مركيانوس إلى أصلك الكريم، وجنسك الشريف وقصد بحكمته أن يتمهل عليك حتى تخضع لأوامره، فتفضل إذاً نسخة من المرسوم الملكى واعدل عن سلوكك وتصرفاتك حتى تبقى لك ممتلكاتك وتحظى برعاية أميرنا". أجاب يوليان: "يجب ألا يغيب على فطنتكم أنه كما أن الثعبان لا ينجذب ولا يخرج من مخبئه إلا إذا سمع صوت الراقى، كذلك فمنشورات الوالى لا يمكنها أن تجذب إلا الشيطان وأعوانه، وأما عقول وقلوب المسيحيين فهى تنفر منها تماماً".

- "أراك لا تفضل الخضوع لأوامر أميرنا"

+ "أولئك الذين يدينون بديانة الملك، فلأوامره هم يخضعون، أما نحن فلا نخضع ولا نطيع إلا أوامر ملك السماء".

- "أتستطيع أن تجاهر بذلك أمام القضاء".

+ "نحن الذين تركنا كل شئ فى هذا العالم، ما علاقتنا إذاً بمحاكم وقضاء هذا الدهر؟!"

- "أيها العظيم يوليان، إن كنت لا تبالى بحياتك وهى ليست غالية أو ثمينة عندك، فارحم أولئك الحاضرين معك".

+ "إن هؤلاء الذين معى، قد وضعوا حياتهم ومصيرهم بين يدىَّ الله. وعند سماعك أقوالى، تكون قد سمعت لأقوالهم جميعاً، إذ لنا إيمان واحد هو أنه لا يوجد إلا إله حقيقى واحد، به نؤمن وبه نعترف، هو ربنا يسوع المسيح ابن الله الحى".

- "اعلم يا يوليان أن كل أقوالك تسجل فى هذا التقرير".

+ "لا تخفى شيئاً مما سمعته منى، فنحن مستعدون أن نواجه الموت لا مرة واحدة بل آلاف المرات فى هذا الزمان نظير التمتع بالحياة الأبدية".

- "إنى أرى معك كهنة ورهباناً، فهل هم تلاميذك".

+ "فى الحقيقة ، هم ليسوا تلاميذى ولكنهم آبائى، فنحن مدينون للكهنة بميلادنا الحقيقى، لذا فمن العدل أن يذهب الآباء إلى السماء وفى رفقتهم أبناؤهم وكذلك الأبناء فى رفقة الآباء".

ولما كان القائد يعلم تماماً بمدى صرامة سيده الوالى مركيانوس وعدم سماحه بأى عصيان لأوامره، لذا قام بالقبض على يوليان وأخرجه خارجاً ثم أشعل النيران فى المكان الذى كان يجتمع فيه رفقاؤه، حتى يلقى الجميع مصيراً واحداً.

أما يوليان، فقد ألقى فى السجن، وفى اليوم التالى مَثُل أمام الوالى. ونظراً لشهرته وصيت فضيلته، كان المكان مزدحماً بالجمع.

أعلن الوالى بداية جلسة المحاكمة، فأدخل يوليان وبدأ الوالى معه الحوار التالى:

- "أأنت يوليان العاصى لأوامر أباطرتنا والمحتقر والمزدرى بآلهتنا الخالدة؟! أأنت الساحر الذى يجذب وراءه المشعوذين والجمع ويضطرهم إلى المثابرة والاستمرار فى عنادهم؟!"

أما يوليان فقد لزم الصمت أمام لهجة الوالى هذه ولم يجبه بكلمة واحدة.

- "ألا ترى أيها الصديق المسكين أنك انهزمت أمام جريمتك، فالآن ليس لك إلا أن تجيب على أسئلتى".

+ "أيها الوالى، إنى لست عاصياً ولا ساحراً ولم أكن كذلك البتة. ولكنى أطيع دائماً الوصية الإلهية ولا يمكننى الخضوع لأمر الأباطرة بالتضحية لآلهة وثنية، وإذ كنت قد لزمت الصمت، فهذا فقط من أجل إنى أخجل من المناقشة مع رجل ماكر ومنافق".

- "اسمع ما أقوله فى كلمتين فقط، الذى يطيع أوامر الإمبراطور يستحق الحب والتقدير، والذى يرفض الخضوع والطاعة يجلب على نفسه الغضب والعقاب والعذاب حتى الموت. ولكن نظراً لنبل أصلك وعراقة أسرتك أود أن أتعامل معك بلطف وأتحدث معك كما يتحدث الأب مع ابنه، فهيا تعال وقدم البخور للآلهة".

+ "أيها الوالى، إن آلهتك تعميك حتى لا ترى من أين لى نبل وشرف الجنس، وتحاول أن تمدحنى بدهائك لتجعلنى أنحنى وأثنى ركبتىَّ أمام آلهة صنعة الأيادى، فإذا كانت آلهتك مصنوعة من نحاس، فاعلم أن الأوانى النحاسية المستخدمة فى مطابخنا ذات قيمة أكثر منها، وإذا كانت مصنوعة من حجارة، فاعلم أنه يجب أن ندوسها بأرجلنا كما ندوس الحجارة التى ترصف بها الشوارع ولا تحس بالضحية المقدمة لهل. لذا فاعلم أيها الوالى، إننا نحن المسيحيين، لا نعبد إلا الإله الواحد، خالق السماء والأرض، فبأى حق تعذب خدام الإله الحقيقى؟"

- "إنى لست بصدد المناقشة معك هنا، ولم استدعك لهذا الغرض، فهيا اسمع ملوكنا واعدل عن سلوكك".

+ "إنى أعلم تماماً ما تطلبونه، كما إنى على وعى تام بما أفعله، وأرغب اللحاق بإخوتى الذين سبقونى إلى المجد".

- "إن اخوتك قد ذاقوا موتاً مريراً، أما أنت فإن كنت تريد إنقاذ حياتك والنجاة من التعذيب، ففكر إذاً فى الأمر جيداً".

+ "إنى أشتهى أن أنطلق وألحق بإخوتى، وقد قررت كل شئ".

- "أيها المسكين يوليان، إنى أتعامل معك كما يتعامل طبيب مع مريض".

+ "إنى لم أسمع قط عن أعمى قاد بصيراً ولا عن سقيم عالج إنساناً سليماً فى كامل صحته!".

- "ماذا تقول؟! هل أنا أعمى؟! هل أنا سقيم؟! أتعنى أنك أنت وحدك الذى تتمتع بكامل الصحة؟"

+ "نعم إنى أتمتع بكامل الصحة ولكن ليس بصحة هذا الجسد بل بصحة النفس والروح التى يهبها الله للذين يترجونه، وإن كنت تود أن تدخل إلى أعماق نفسك وتنقذ حياتك بمعرفة الحق الأبدى، فإن إلهنا الطيب سيهتم بك، أما عن آلهتك فهى ليست سوى أصنام تسكنها الشياطين".

حينئذ استشاط الوالى غضباً وأمر بتعذيب يوليان قائلاً: "مدوه واضربوه بقسوة على كل أعضاء جسده".

وبالفعل بدأ الجند فى تنفيذ ما أُمروا به، وأثناء هذا الجلد القاسى، أصيب أمهر الجلادين إذ ضرب السوط بقوة، فارتد عليه وأصاب عينه وفقأها. رأى الوالى هذا الحدث، فخرج عن صوابه وأخذ يقول ليوليان: "أيها الساحر، إنك بسحرك استطعت أن تفقأ عين غيرك ولا تشعر بالألم".

+ "أيها الوالى مركيانوس، إن كنت تريد معرفة من هو الإله الحق، فاصدر أمراً بجمع كل كهنة آلهتك كى يطلبوا منها شفاء هذا الرجل باستعادة بصره، وإن لم تستجب لهم، فسأطلب أنا بدورى من إلهى وربى يسوع المسيح الذى سينير ليس فقط عينه الخارجية بل أيضاً بصيرة قلبه الداخلية".

حينئذ صفق كل الجمع وقبل الوالى مركيانوس اقتراح يوليان واستدعى كهنة الآلهة قائلاً لهم: "اذهبا وضحوا للآلهة الخالدة حتى تظهر قوتها وعظمتها لهذا الدنيء طالبين منها استرداد بصر هذا الجلاد الذى فقئت عينه".انصرف الكهنة إلى المعبد وما إن بدأوا التضحية لأصنامهم حتى سمعوا صوتاً يخرج من هذه الأصنام قائلاً: "ابعدوا عنا، ابعدوا عنا، نحن الآلهة التى تستدعونها لسنا إلا شياطين وسوف نحترق فى النار الأبدية". علم يوليان بالروح بما حدث فى المعبد فقال للوالى: "اسرع بالذهاب إلى المعبد وانظر ما حدث هناك". وفى الحال غادر الوالى ساحة القضاء مسرعاً إلى المعبد، فإذ به يجد كل الأصنام منطرحة على الأرض وقد تهشمت إلى آلاف القطع، فرجع وهو فى خزى عظيم إلى الساحة وبادر يوليان بقوله: "أرى انك تفتخر بانتصارك على آلهتنا التى تجهل أنت قوتها وعظمتها، فالآن تفضل وتمم وعدك بأن تُرجع بصر هذا الجلاد الذى تسببت فى فقده، ولكن حتى لا يمكنك استخدام سحرك، سأدهنك بسائل يُزيل عنك كل مفعول للسحر".

+ "بكل سرور، إفعل ما تريد لأن هذا الأمر سيعطى مجداً أكثر لإلهى، ورائحة السائل الكريهة ستتحول إلى رائحة عطرة، وهذا المسكين سيستعيد بصره بقوة إلهى خالق السماء والأرض، وواهب النظر للعميان".

وبالفعل نفذ الوالى أمره، ولكن سرعان ما انتشرت رائحة عطرة جداً فى المكان مما أفقد الوالى صبره. أما يوليان فقد رشم علامة الصليب على العين المصابة ونادى باسم الرب يسوع المسيح، وفى الحال، استعادت العين المفقودة شكلها الأول وشُفى الجلاد تماماً. وعندما رأى الوالى مركيانوس هذه المعجزة، ازداد فى عناده وإصراره، ولم يؤمن بقوة إله يوليان بل نسب ما حدث إلى قدرة يوليان على السحر. أما الجلاد الذى شُفى فكان يجرى فى كل الساحة وهو يصرخ بأعلى صوته معلناً إيمانه قائلاً: "إن إله يوليان، يسوع المسيح، هو الإله الحقيقى ويجب له السجود والخضوع، أما هذه الآلهة التى تعبدونها فما هى إلا شياطين". حينئذ استشاط غضب مركيانوس جداً فأخذ سيفه ليُسكت هذا الجلاد وضرب عنقه، لقد أغلق الوالى فم الجلاد ، ولكنه فتح له باب السماء، ونال إكليل الشهادة والمجد الأبدى.

حينئذ أعيد يوليان مرة أخرى إلى السجن. وفى اليوم التالى ، بدأ الجند فى تعذيبه، فربطوه بسلاسل ثقيلة وجروه فى كل شوارع المدينة وسط ضجيج أصوات البوق ومنادى يصيح أمامه قائلاً: "هكذا يُفعل بمن يعصى أوامر آلهتنا وملوكنا". ومر الموكب بالقديس من زقاق إلى زقاق ومن شارع إلى شارع وانهالت الشتائم وعبارات الازدراء والتهكمات عليه، وأخيراً وصل الموكب إلى أكبر شوارع المدينة حيث توجد أكبر المنشآت والمدارس التى اكتظ الجميع بنوافذها ليشاهدوا الموكب.

أما سلسيوس ابن الوالى مركيانوس الذى كان ينظر من نافذة فصله مع زملائه ومدرسيه مراقباً هذا المشهد، أخبر زملاءه عما حدث بالأمس وكيف استطاع يوليان بقوة إلهه أن يرد البصر للجلاد، وفجأة صاح سلسيوس بصرخة عالية قائلاً: "يا أصدقائى، انظروا، ألا ترون شيئاً غريباً؟! إنى أرى شيئاً عجيباً". فقالوا له: "ماذا ترى؟" فقال: "إنى أرى حول هذا المتهم المسيحى مجموعة من الشخصيات ذوى الجمال الباهر، وهم يتحدثون معه فى تآلف وود، وعلى رأسه تاج لامع ومرصع بالأحجار الكريمة المشعة بالأضواء الباهرة. إنه يبدو لى حقاً أننا يجب أن نعبد هذا الإله الذى يحمى خدامه ويحيطهم بمثل هذا النور".

          وعند سماع هذه الكلمات من فم سلسيوس ذُهل مدرسوه وأصدقاؤه، وعبثاً حاولوا أن يثنوه عن عزمه وأقواله هذه، وساد الذعر والرعب بين المدرسين لأنهم يعلمون بمسئوليتهم تجاه ابن الوالى، ولكن سلسيوس لم يبال بالجمع ولم يتوقف عن أن يكرر بصوت عالٍ العبارات التالية: "نعم حقاً، إن إله المسيحيين هو الإله الأعظم الوحيد ولم أعد أتردد فى هذا، وليحدث ما يحدث، إنى أؤمن به أنه هو الإله الحقيقى". قال هذا وألقى سلسيوس كتبه بعيداً. ونزع ثيابه الثرية، ثم خرج مسرعاً من المدرسة. وكان يجرى فى شوارع المدينة بين حشد الجموع ليلحق بالقديس فى المكان المخصص لمحاكمة. وأخيراً وبعد عناء كبير وصل سلسيوس عند القديس حيث ارتمى عند أقدامه معلناً إيمانه قائلاً: " يا يوليان إنى أقدم لك التقدير والتحية كأب لأنى مدين لك بمعرفة الإله الحقيقى". وكانت الجموع المحتشدة تشاهد باستغراب هذا الشاب الذى أخذ يُقبل جراحات يوليان ويقر علانية بإيمانه قائلاً: "أيها الجمع، إنكم تعرفوننى جيداً، أنا سلسيوس ابن مركيانوس حاكم الإمبراطورية، قديماً كنت ألعن هذا الإله الحقيقى، وأما اليوم فأنا أرفض عبادة الآلهة الوثنية وأكره كل ضلالة والدى، إنى أؤمن بإله يوليان، يسوع المسيح، الإله الحقيقى الذى أعاد للجلاد بصره وقد تحققت من ضعف آلهتنا الصماء ولا أرغب فى أى ثروة فانية لهذا العالم، فهيا أيها الجند والخدم، لماذا تتباطئون؟ اسرعوا واخبروا أبى بأنى الآن أعبد الإله الحقيقى، إله يوليان".

          انتشر هذا الخبر بسرعة فى كل المدينة، أما الوالى مركيانوس الذى كان يرفض تصديقه بسبب خزيه أمام الجمع، فقد أمر الجند بإحضار ابنه وإبعاده عن الساحر يوليان. أما الجند، فلم يستطيعوا فصل سلسيوس عن يوليان. حينئذ أمر الوالى بإحضار الاثنين معاً. ولما مثلا أمامه، حاول مركيانوس السيطرة قائلاً: "استطعت بسحرك يا يوليان أن تجذب ابنى إليك وتبعده عن أبويه وتحوله عنا؟ فليكن ملعوناً أيها الشقى". ومن جهة أخرى، صاحت أم سلسيوس قائلة: "أيها الرجل القاسى، أبطل سحرك الذى مارسته على هذا الفتى، رد لنا ابننا، إنه وحيدنا، رده إلينا وسنطلق سراحك". فقال القديس: "إنى لست بحاجة إلى إحسانكم وتعطفكم علىَّ ولم أطلب منكم إطلاق سراحى، ولكنى أطلب شيئاً واحداً هو أن أنطلق إلى السماء شهيداً ومعى هذا الفتى، وهاهو ابنكما قادر أن يجيبكما ".

أما سلسيوس الذى كان لا يزال صامتا، فقد توجه بالحديث إلى والدية قائلا: "والدىَّ الكرام أريد أن أعلمكما بما رأيت، لقد شاهدت يوليان من نافذة المدرسة، بينما كانت تنهال عليه الشتائم وعبارات الازدراء وهو مكبلا بالسلاسل، ومسحولا في شوارع المدينة ورأيت المدينة ورأيت حوله مجموعة من الشخصيات ذوى الجمال الباهر، وهم يتحدثون معه في تآلف وود، وعلي رأسه تاج لامع من الذهب مرصع بالأحجار الكريمة المشعة بآلاف الأضواء الباهرة. ألا يجب علينا إذا أن نؤمن بهذا الإله الذي يحمي خدامه ويحيطهم بمثل هذا النور؟؟ فإذا كانت محبتكم للآلهة مضللة تتغلب فيكم علي محبتكم لي، فأنا أيضا مستعد أن أتخلي عن كل شئ في سبيل معرفتي لربنا يسوع المسيح، الإله الحقيقي، وإن شهوتي هي أن أحمل اسما مسيحيا بدلا من هذا الاسم الشريف الذي دعوتماني به."

حينئذ أوقف مركيانوس الحديث، إذ لم يجد جدوي من إطالته وأصدر أمراً بحبس يوليان وسلسيوس في صالة يتوافر فيها كل شئ، ثم عاد في المساء وأمر بإلقائهما في حفرة عميقة ـ عادة يترك فيها المسجونون دون طعام حتى يموتوا جوعا ـ وكان المكان ذا رائحة كريهة للغاية.

ولكن الإله الحنون الذى لا يترك محبيه، حول ظلمة المكان ورائحته الكريهة إلى مكان عجيب يعيش فيه يوليان وسلسيوس في فرح وتعزية. فقد ظهر نور سمائي بدد ظلمة المكان، كما انتشرت رائحة عجيبة من العطور الذكية، وشاهد عشرون من الجند القائمين علي حراسة السجن هذه الأعجوبة، فأعلنوا إيمانهم جميعا معترفين بإله يوليان، ربنا يسوع المسيح.

وبدأ يوليان يفكر كيف يعمد هؤلاء الجند. فأخذ يصلي إلى الله، وبالفعل استجاب الله صلاته

فقد كان يعيش في المدينة سبعة أطفال أخوة، في عزلة تامة، وهم أبناء لحاكم سابق، ويقوم برعايتهم كاهن قديس يدعي أنطونيوس وكان يحميهم قرار إمبراطوري رسمي ينص علي عدم التعرض لهؤلاء الأطفال نهائيا بخصوص ديانتهم حتى في وقت الاضطهاد. وذات ليلة سمع هؤلاء الأخوة صوتا من السماء يأمرهم بالذهاب مع أبيهم الكاهن أنطونيوس إلى السجن المجاور لكي يعمد خداما للمسيح هناك. فقاموا في الحال وتسللوا في شوارع المدينة ليلا بينما الكل ينام. وما أن وصلوا إلى السجن حتى فتحت أبوابه من تلقاء ذاتها وإذ بالمكان يمتلئ نورا. حينئذ قال الكاهن ليوليان: "لقد أرسلنا الله إلى هنا لنقدم سر المعمودية لخدام المسيح الجدد، وقد قررنا أن نبقى معكم حتى نحظى بالاستشهاد في رفقتكم". فصاح يوليان قائلا: "مبارك أنت ياربنا يسوع المسيح، لقد استجبت لشهوة قلبي إذ نال هؤلاء الحملان الذين اقتنيتهم لك نعمة المعمودية. فاحفظهم يارب من أفواه الذئاب الضارية وأعطهم أن يعترفوا باسمك في إيمان ثابت لا يتزعزع"

وفي صباح اليوم التالي، جاء الجند إلى الوالي وأخبروه بكل شئ، فاستدعي الأخوة السبعة في الحال وخاطبهم قائلا: "فيما تفكرون أيها الأطفال الأعزاء، لماذا تسعون وراء الموت؟ إذا كان الساحر قد أغوى ابني وهؤلاء الجند غلاظ القلوب، أهذا سبب يجعلكم تسعون بكل رضا وراء الموت؟ ابتعدوا إذا عن هذه الأفكار واهربوا لكي تعيشوا في سلام، فقد كتبت لكم الحرية". وبناء علي رفضهم الأكيد، اغتاظ الوالي جداً وأمر بقيادتهم إلى السجن. أما الفتية فكانوا فرحين جداً.

ولارتباك الوالي مركيانوس بسبب هؤلاء المسجونين، أرسل خطاباً إلى روما ليستعلم من السلطات العليا ما يتخذه بشأنهم. ولما كان الوالي يأمل استرداد ابنه، حرص على تقليل شدة نظام السجن بقدر الإمكان. ولكن تأخر وصول الرد من روما، أتاح فرصة لزيادة حماس المسجونين وتقويتهم في الإيمان، الأمر الذى لم يكن في صالح الوالي.

وبعد مرور عدة شهور، جاء الرد ينص علي: "إعادة استجواب المسجونين مرة أخري، فإذ لم يعدلوا عن رأيهم وإيمانهم يلقون في قدور كبيرة مملوءة بالقار والكبريت المغلي. وإذ قوي سحرهم وتغلبوا علي هذا النوع من التعذيب، فليفعل الوالي ما يحسن في عينيه من ألوان العذاب".

أعد مركيانوس ساحة القضاء، وفي اليوم المحدد، أمر بإحضار عبيد الله ودار بينهم الحوار التالي:

- "لقد تركتكم زمانا طويلا في أمان لعلكم تتمتعون بالهدوء وتصلون إلى تفكير رشيد".

+ "لقد سبق أن فكرنا في كلا شئ وتقريرنا اليوم مثل الأمس. فقم بتعذيبنا إن أردت حسب ما توصلت إليه من ألوان التعذيب طوال الفترة الماضية"

- "بكل تأكيد ستتعرضون للتعذيب ولكن استمعوا أولا لقرار حكامنا العظماء فيما يتعلق بشأنكم".

حينئذ صاح سلسيوس قائلا: "ألا تعلم يا أبي بالعذاب الذى أعده الله للشيطان وكل أعوانه."

قال يوليان بدوره:" بماذا يفيدنا هذا القرار الإمبراطوري، أنه لا جدوى منه، ولكن بالحرى أسرع بتنفيذه علي الفور."

وفي هذه اللحظة مر موكب جنائزي علي الجانب الآخر من ساحة القضاء فأمر الوالي بإحضار جثة الميت ووضعها أمامه وتوجه بالحديث إلى يوليان قائلا :

- "يقال إن معلمكم وسيدكم المسيح، قد أقام موتى، فأقم إذا هذا الميت باسمه، ليعلن إنه هو الله".

+ "هل ينتفع إنسان أعمي بنور الشمس؟!"

- "إني لا أرغب البتة في أمثال أو تشبيهات، إن كنت أنت أو إلهك قادرا، فأقم هذا الميت".

+" أني سأطلب إلى إلهي ولي ثقة إنه سيقيمه بالرغم من عدم إيمانك".

حينئذ جثا يوليان عند أقدام الميت ورفع عينية نحو السماء مستغرقا في صلاة عميقة ثم قام. وبإيمان أكيد وجه الحديث إلى الميت قائلا: "باسم إلهنا يسوع المسيح، الإله الحي، الذي أقام لعازر من القبر بعد أربعة أيام، أقول لك قم".

وما أن نطق بهذه الكلمات، حتى قام الميت منتصبا وأخذ يردد: "من أين أتيت؟ وإلى أين كنت ذاهبا؟.. لقد كنت بين أشخاص قبيحي المنظر، وبينما هم يجذبونني إلى جهنم ويعذبونني سمعت صوتا قويا كصوت إله ينطق بسلطان أرعد المكان الذى كنت فيه، فأخرجني منه وأنقذني من العذاب الذي لحق بي. لذا أريد الآن معرفة هذا الإله الحقيقي الذى كنت أجهله من قبل". وعند مشاهدة هذه المعجزة، أعلن كل الجمع الواقف إيمانه معترفاً بإله يوليان. حينئذ أمر الوالي أن يقاد الرجل المقام من الموت وكذا المعترفين بإيمان وديانة يوليان إلى السجن.

وفي صباح اليوم التالي، أمر الوالي بإحضار قدور القار وإعدادها. وعند سماع صوت البوق وإصدار الأمر تسابق الجمع إلى الساحة لحضور المشهد كمن يتسابق للذهاب إلى سيرك. لقد أعد الوالي 31 قدراً مملوءة بالقار المغلي مضافا إليه كبريت وقطران واهتم الجند بإشعال النار تحت القدور التي كانت مصطفة في صف واحد وعلي مسافات متساوية ولكنها تبدو متلاحمة معا بسبب شدة النار.

تقدم المعترفون بالإيمان المسيحي وهم مكبلون بالسلاسل، اثنين ، اثنين، وفي مقدمتهم يوليان وسلسيوس وهم يرددون جميعا التسابيح والمزامير. ومن هول المنظر ارتفعت صرخات مدوية من بين المشاهدين، قطعت صمت الجمع. وهنا أشار يوليان بيده قائلا: "لا تخافوا ولا ترتعبوا، فالنار ستجعلنا أكثر لمعانا من الذهب. واعلموا إننا سنجوز هذا العذاب سالمين دون أذى".

وقبل إلقاء المعترفين في القدور، حاول الوالي مرة أخيرة زعزعة إيمان وثبات الشهداء قائلا بصوت حاد: "أيها العنيد الفظ يوليان، الذى يقود زهرة الشباب إلى الهلاك، اعدل عن سلوكك لتنجو أنت ومن معك". ثم عاود قوله بلطف قائلا: "أيها الشباب، أيها النفوس المحبوبة، ارجعوا لي فقط ابني الحبيب وابعدوا عني هذا الألم المرير حين أرى النيران وهي تلتهم ابني. ابني الشاب الجميل، الوسيم، وسأكتب إلى الحكام كي يسامحوكم وسأترككم لممارسة ديانتكم". ثم توجه بالحديث إلى ابنه قائلا: "يا ابني استمع لي، انظر إلى أمك الحبيبة، أنظر إلى كل أفراد العائلة الذين يحبونك، أيها الابن اللطيف، اعطف علي أبيك الذى يترجاك، وارجع إلى صوابك ولا تنقاد إلى أضاليل هذا الساحر".أجاب الابن: "أيها الأب، لا تحزن كثيرا، إن هذه النيران لن تقوى علينا وسنجوز فيها دون أن يصيبنا أي أذى بقوة إلهنا الحي، وسنخرج منها جميعا سالمين تماما ولكنى أطلب منك شيئا واحداً، إذا ما خرجت من هذا القدر المغلي سليما، أن تترك لي أمي لتقضي معي في السجن ثلاث ليال".

وافقت الأم الباكية علي طلب ابنها، وقبل أيضا الوالي هذا العرض. وعلي الرغم من إتمام كل التجهيزات للأتون والقدور، واستعداد المعترفين، فقد خلع كل منهم ملابسه ووقف أمام القدر المعد له. وكان الحشد الواقف ينتظر إصدار الأمر النهائي، إلا أن الوالي شعر باضطراب عظيم جداً وانتابه صراع بين أمرين: إتمام واجبه تجاه قيصر من جانب، وحبه الأبوي ومشاعره تجاه ابنه من جانب آخر. لذا ترك قائد الجند لينطق بالحكم. أما هو فعاد إلى القصر في حالة من النحيب والصراع مرددا: "يا أصدقائي يا أقاربي يا خدامي، يا كل الجمع، يا من يحب سلسيوس.."

وفي الساحة هجم الحراس علي المعترفين، بناء علي إشارة واحدة من قائد الجند، ووضعوا كلاً منهم في القدر المجاور له. واخذوا يحمون الأتون بشدة، فاشتعلت النيران وارتفعت حتى فاقت رؤوس المعذبين. ومع ذلك لم يكف جنود المسيح عن التسبيح، أما الدخان، فقد ملأ كل الأرجاء حتى أصبح الجو خانقا للغاية.

وعندما هدأت النيران وانطفأت، وبردت القدور وتلاشى الدخان، ظهر المعترفين سالمين تماما أمام أعين الجميع وكأن النار قد فقدت خصائصها كما يقول المرتل في المزمور: "قد جزنا في النار أما هي فقد صارت لنا كندى رطب" (مز 65: 12).

وشاع خبر هذه الأعجوبة، فخرج مركيانوس من قصره مسرعاً إلى الساحة. وإذ به يرى كل المعترفين أصحاء معافين، وهم يرتدون ملابسهم وسط تصفيق وتهليل كل الجمع ولم يمسهم أي أذى.

وهنا شعر الوالي بخزيه وأن الحظ لم يكن حليفه، فتشاور مع قائدة ثم استدعى يوليان قائلا: "يا يوليان الشجاع، استحلفك باسم إلهك أن تخبرني من أين لك هذا السلطان العظيم؟"

+" سأكشف لك عن سر هذه العجائب، حيث إننا سنتحدث باسم الله. لكي تتم هذه العجائب، لابد أن يحب الإنسان الله فوق كل ما في الخليقة ولا يرجو سوي مواعيده ويحيا غريبا علي الأرض، يحب الفقراء، ويهتم بخدمتهم، كما يحب أن يكون الإنسان متضعاً، طاهراً، متجرداً عن كل شيء ومستعداً أن يتألم من أجل الله حتى الموت".

- "لكن أخبرني، كيف يكون الإنسان مجنونا لهذه الدرجة حتى يحرم نفسه من ملذات الحياة؟"

+ "أن الله مستعد أن يعطى هذه النعمة لكل البشر ولكن قليلون هم الذين يحسبون مستحقين لهذه العطية."

- "إن هذا يكفيني يا يوليان، لقد فهمت كل شئ حتى ما تكنه من أوهام. فمن الآن لن أعطيك شرف الحديث معي".

+ "إن هذا حسن أيها الوالي".

حينئذ اتجه الوالي نحو ابنه قائلا: "ها هي أمك كما وعدتك، سأتركها معك ثلاثة أيام."

بعد ذلك أرسل الوالي كل المعترفين إلى السجن أما هو، فقد عاد إلى قصره، منهكا، متعباً، مثقلا باضطرابات شتى. من كآبة وحزن، من إحباط وذل شاعراً بخزيه وهزيمته، الأمر الذى أزاد من تعطشه إلى الانتقام والبحث عن ألوان جديدة للتعذيب في خياله وأحلامه.  

  وبينما كان المعترفون في سجنهم المظلم متهللين، فرحين وهم يتذكرون الأحداث العجيبة التى حدثت معهم في الصباح. إذ بنور عجيب يشع ويملأ السجن وتنتشر رائحة عطرة جداً اشتمها الجميع.

          أما الضيفة الجديدة ماركيانيل، أم الشاب سلسيوس، فقد كانت موضع اهتمامهم وصلواتهم الحارة. وعندما اشتمت هي أيضا هذه الرائحة العطرة التى فاحت في السجن قالت: "إني لم أشم أبداً في حياتي مثل هذه الرائحة العطرة ولا في أجمل الحدائق. فهذه الرائحة العطرة قد أنستني كل الأتعاب المرة التى عانيت منها في الأيام السابقة. ولم يعج في قلبي سوى إيمان راسخ لا يتزعزع بالإله الواحد الحقيقي الذي يتألم من أجله ابني".

لقد فرح المعترفون جميعا عند سماعهم هذا الكلام وأخذ سلسيوس يقبل يدى أمه قائلا: "إني أعرفك الآن إن هذه الرائحة الطيبة هي رائحة المسيح إلهنا الذى ملأ قلبك بالسلام، فإننا  لن نفترق أبداً لأننا سنصل معا إلى النهاية السعيدة في الفردوس".

وفي اليوم التالي، قام الأب القديس أنطونيوس بمنحها سر المعمودية.

          وعندما علم الوالي مركيانوس بخبر اعتناق زوجته للإيمان المسيحي، أمر بإحضارها مع ابنه، كلا منهما علي حدة إلى القصر. وأدخل سلسيوس أولاً وقال له: "هل طلبت مني حضور أمك معك لتمارس عليها السحر وتجذبها إلى أضاليلك؟ أخبرني ماذا حدث؟ إنه من غير النافع أن تخفي عني شيئا، لأني أعلم كل شيء".

+ "حيث أنك تعلم بما حدث، فقد جنبتني بهذا حديثا طويلا، إن والدتي قد تعمدت وأصبحت مسيحية، وليس لي سوى أن أقدم الشكر لله من أجل أعجوبة أيمانها. لأننا بذلك سوف لا نفترق أبداً".

حينئذ شعر الوالي إن إطالة الحديث سوف تجره إلي هزيمة جديدة، ولعمله أن زوجته متعقلة وصائبة في أفكارها ولديها عزة نفس، لذا تجنب الحديث المضني معها وصمم أن يكف عن الكلام وأن يسرع إلى تنفيذ ما في ذهنه عمليا حتى لا يشعر أكثر بضعفه وحتى لا يلوم نفسه بأنه كان متباطئا في أحكامه.           وفي اليوم التالي أمر الوالي بقطع رؤوس العشرين سجانا. أما الأخوة السبعة، فأمر بإلقائهم في آتون نار. وبذلك نالوا جميعا إكليل الشهادة والمجد.

          وظن الوالي مركيانوس بهذا، أنه يستطيع أن يزعزع ثبات البقية؛ يوليان وسلسيوس وأمه والكاهن العجوز أنطونيوس والرجل الذي أقيم من الموت. لذا أمر بإخراجهم من السجن وإحضارهم إليه في ساحة القضاء حيث كان جالسا علي كرسيه وحوله مساعدوه.       

فلما مثل يوليان أولا أمامه أمره مركيانوس أن يبتعد لأنه غير أهل للتحدث معه. ثم وجه حديثه إلى الكاهن قائلا:

- "أيها العجوز الذي يدعي أنطونيوس، يبدو لي أنك رئيسهم، وبهذه الصفة، عليك أن تجيب عن جريمة السحر وأن تقدم دفاعك".

+ "إنى أقدم جزيل الشكر إلى ربي يسوع المسيح الذي جعلنى خادما له".

- "ليس هذا سؤالي، ولكن اكشف لي، أيها العجوز عن سر واحد من أسرار هذا السحر؛ اخبرني مثلا بأي طريقة يمكن أن نفرق الابن عن والديه، والزوجة عن زوجها؟ كيف يصل الإنسان إلى الازدراء بالممتلكات والثروة والجاه؟ لماذا تحرصون علي الازدراء بالآلهة الخالدة؟ أريد أن أسمع منك الإجابة علي هذه التساؤلات فجريمتك هي تضليل الشعب بتعاليمكم وسحركم".

+ "كنت أود كثيرا أن يقوم يوليان بالإجابة نيابة عني إذ يحسن الحديث أكثر مني. ولكن علي أي حال أعلم أيها الوالي إن يسوع المسيح هو الذى يمس القلوب وهو الذى يجذب النفوس وهو أوصانا بأن نترك كل شيء، ونحبه أكثر من الثروة والجاه. نحبه أكثر من أصدقائنا وأولادنا، نحبه أكثر من آبائنا وأمهاتنا، فهذا هو ما جذب ابنك وزوجتك".

وبينما كان الوالي يفكر في الوسيلة التي يكتسب بها مرة أخرى أعز شخصين إلى قلبه علي وجه الأرض، أمر كهنته بالذهاب إلى معبد "جوبيتر" في أنصنا للقيام بتزينه ـ كما هو متبع في الاحتفالات الكبيرة ـ وأن يدعو كل الجمع وأن يزف المعترفين إلى هناك بالطبول".

حينئذ قال لهم الوالي: "ها هي ساعة الخلاص ترن لكم، إنه لهذا الغرض الوحيد قد فتح لكم اليوم هذا المعبد العظيم، فإذا أظهرتم لي مقاومة، فليس عندي رحمة بعد، فمن هنا سيكون مصيركم إلى الموت. تقدم أولا يا يوليان وقدم الإكرام للإلهة الخالدة.."

+ "حسنا، حيث إنه ستحدد اليوم مصيرنا، فإننا سنقدم أمام كل هؤلاء الكهنة تضحية لا مثيل لها".

حينئذ توجه الوالي إلى جنوده قائلا: "أيها الحراس،حلوا بسرعة قيود هؤلاء المسجونين، فمن سيقدم الضحية يجب ألا يظل مقيدا. تعال أيتها الزوجة، تعال أيها الابن، تصالحوا مع الآلهة التى كنتم توقروها فيما مضي.."

+ أجابت الزوجة: "إني لا أتحدث معك، واعلم جيداً إنى لا أتراجع أبداً عن الحقيقة التي وجدت سعادتي في معرفتها."

حينئذ اتجه الوالي إلى يوليان قائلا: "كل شئ جاهز تمم وعدك بالتضحية للآلهة".

+ "ماذا تطلب أيها الوالي؟ هل نقدم تضحية جماعية لكل الآلهة أم لبعض منها؟"

- "كل الآلهة متساوية في العظمة والمجد والكرامة وما نقدمه لأحدهم هو مقدم لجميعها".

حينئذ جثا المعترفون علي ركبهم وقال يوليان بصوت عال مدوِ: "أيها الإله، الذى قلت أن كل آلهة الأمم شياطين (مز50: 5). أظهر أمام كل هذا الشعب الأعمى أنك الإله الوحيد الحقيقي، وبدد هذه الأصنام واجعلها كلا شئ كي يعلم الجميع أنك أنت هو الإله الحقيقي الوحيد". وأجاب شهود المسيح كلهم أمين".

وفي الحال دفعت أصنام المعبد ـ بيد خفية ـ ووقعت علي الأرض وتكسرت إلى آلاف القطع، كما اهتزت أساسات المعبد مهددة بالانهيار وفر في الحال كهنة الأوثان وكل الجمع.

حينئذ توجه يوليان إلى الوالي، الذي كان لا يزال علي منصته متظاهراً بالثبات الكامل وسط هذا الهياج العام قائلا: "حسنا أيها الوالي، أين هي آلهتك المصنوعة من المعدن والكهرمان والرخام النادر التى كنت فخورا بها وتمجدها..؟! لقد تهشم كل ذلك باسم ربنا يسوع المسيح، الإله الوحيد، وسيلقى نفس هذا المصير كل من يعبد ويوقر هذه الأصنام، فهذا المشهد الذى عاينته هو من أجلك أيها الوالي، لعلك تستمد منه درسا نافعا". ولكن للأسف، أعمى الشيطان بصر مركيانوس وأغلق قلبه عن رؤية الحق، فأظلمت نفسه، وصار يرجع كل شئ للسحر والشعوذة.

أما بالنسبة للجمع الواقف، فلم يكن الأمر هكذا. بل صاحوا بصوت عال معلنين إيمانهم بإله هؤلاء المسجونين الذى انتصر بقوة علي الآلهة المزيفة. وكان الكل يضحك ساخراً. وهنا تعجل الوالي بإنهاء الموقف دون أي تردد، وأمر بإعادة المعترفين مرة أخرى إلى السجن.

كانت  هذه الليلة آخر ليلة سجن للمعترفين علي الأرض، ذاقوا خلالها مقدما حلاوة الفردوس. ففي ظلام السجن جاء لزيارتهم عدد لا يحصي  من الشهداء: أساقفة، وكهنة، ورهبان، وجنود. ومعهم رفقاء يوليان الذين آمنوا، والأخوة السبعة، وجاءت أيضا الطوباوية باسيليس وفي صحبتها بناتها العذارى. ووجهت حديثها إلى يوليان قائلة: "أيها الحبيب يوليان أي فرح وأي مجد يكون لكم، إن نهاية جهادكم قد حانت فغدا تكونون جميعا معنا مجتمعين إلى الأبد".

يالها من ليلة  سعيدة مرت كأنها حلم! أنها ابتسامات حانية لرب المجد موجهة إلى جنوده الساهرين قبل المعركة الأخيرة.

وفي الصباح الباكر، فتحت أبواب السجن وسبق الشهداء إلى باب الساحة وأصدر مركيانوس أوامره التالية:

        ·          باسم الشعب الروماني، نصدر الحكم علي يوليان وسلسيوس بنزع جلد رأسيهما..

        ·          تفقأ أعين العجوز أنطونيوس وأنسطاسيوس الذى أقيم من الموت..

        ·           أما بالنسبة لماركيانيل، فتربط علي آله للتعذيب بالحبال..

نفذ الجلادون كل أوامر الوالي. ولكن هل يترك الله أولاده؟ حاشا. لقد خرجت ماركيانيل من آلة التعذيب ولم يمسها أي أذى، والعيون التى فقئت عادت سليمة ترى الأشياء تماما بطبيعتها. والجلد الذي نزع من رأس يوليان وسلسيوس عاد كما كان.

ولما ذهب الجلادون لأخبار الوالي بأنهم قاموا بتنفيذ أوامره، توجه علي الفور لمشاهدة الضحايا بنفسه. وإذ به يجدهم يستقبلونه بابتسامه عجيبة، وقد تم شفاؤهم بطريقة معجزيه. حينئذ فرهاربا للمرة الثانية، وهو يصيح: "أيتها الحيوانات، أيتها الحيوانات.."

أما المعترفون، فقد سيقوا إلى ساحة المسرح التى تستخدم في ألعاب السيرك ببلدة أنصنا حيث أطلق عليهم الأسود والنمور والضباع الجائعة. ولكنها لم تمسهم بأي أذى بل التفت حول خدام الله. فكانت تقترب منهم وتنظر إليهم وتشم فيهم. وفي النهاية أخذت تلحس أقدامهم. وعند مشاهدة هذه الأعجوبة الجديدة، أسرع رئيس منفذي أوامر الملك، ليخبر الوالي بما حدث..

وهنا أصدر مركيانوس الأمر بقطع رؤوس هؤلاء المعترفين جميعا لكي يتخلص مما يعتبره سحرا وشعوذة. وأثناء استشهاد المعترفون ناحت الطبيعة وأمطرت السماء واهتزت الأرض، وتهدم العديد من المباني، كما هبت فجأة في سماء الصعيد ـ التى كانت صافية لا تشوبها أى سحب وقتئذ ـ عاصفة شديدة مصحوبة برياح وأصوات الرعد المخيف مما أسفر عن الكثير من الخسائر والضحايا.

ولم تمر بضعة أيام حتى أصيب الوالي بحالة من الكآبة واليأس وفارق الحياة. وفي الليلة التالية لاستشهاد هؤلاء القديسين، قام بعض الرجال الأتقياء من مسيحي بلدة أنصنا وحملوا الأجساد المباركة سراً إلى الكنيسة حيث استقبلها الآباء الكهنة وكل الشعب بإكرام عظيم وطيبوها بأطياب ثمينة. ثم وضعوها في لفائف فاخرة تحت المذبح وسط التماجيد والألحان الكنسية. ورأى كثير من الحاضرين أرواحهم تظهر بصورة مرئية أمام أجسادهم. وأجرى الله في هذا اليوم عجائب كثيرة من شفاء أمراض وإخراج شياطين وإعادة البصر لعميان.

بركة صلواتهم تكون معنا أمين.