8 طوبة: نياحة القديس بنيامين بابا الإسكندرية الثامن والثلاثين

وفي هذا اليوم أيضا من سنة 656م تنيح الأب المغبوط القديس الأنبا بنيامين بابا الإسكندرية الثامن والثلاثون. هذا الأب كان من البحيرة من بلدة برشوط وكان أبواه غنيين وقد ترهب عند شيخ قديس يسمي ثاؤنا بدير القديس قنوبوس بجوار الإسكندرية. وكان ينمو في الفضيلة وحفظ كتب الكنيسة حتى بلغ درجة الكمال المسيحي. وذات ليلة سمع في رؤيا الليل من يقول له: "افرح يا بنيامين فانك سترعي قطيع المسيح". ولما أخبر أباه بالرؤيا قال له: "إن الشيطان يريد أن يعرقلك فإياك والكبرياء". فازداد في الفضيلة ثم أخذه معه أبوه الروحاني إلى البابا اندرونيكوس وأعلمه بالرؤيا، فرسمه الأب البطريرك قسا وسلمه أمور الكنيسة فأحسن التدبير.

ولما اختير للبطريركية حلت عليه شدائد كثيرة. وكان ملاك الرب قد كشف له عما سيلحق بالكنيسة من الشدائد، وأمره بالهرب هو وأساقفته، فأقام الأنبا بنيامين قداسا، وناول الشعب من الأسرار الإلهية، وأوصاهم بالثبات علي عقيدة آبائهم وأعلمهم بما سيكون. ثم كتب منشورا إلى سائر الأساقفة ورؤساء الأديرة بأن يختفوا حتى تزول هذه المحنة. أما هو فمضي إلى برية القديس مقاريوس ثم إلى الصعيد.

وحدث بعد خروج  الأب البطريرك من الإسكندرية أن وصل إليها المقوقس الخلقيدوني متقلدا زمام الولاية والبطريركية علي الديار المصرية من قبل هرقل الملك فوضع يده علي الكنائس، واضطهد المؤمنين وقبض علي مينا أخ القديس بنيامين وعذبه كثيرا وأحرق جنبيه ثم أماته غرقا.

وبعد قليل وصل عمر بن العاص إلى أرض مصر وغزا البلاد وأقام بها ثلاث سنين. وفي سنة 360 للشهداء ذهب إلى الإسكندرية واستولي علي حصنها، وحدث شغب واضطرب الأمن، وانتهز الفرصة كثير من الأشرار فأحرقوا الكنائس ومن بينها كنيسة القديس مرقس القائمة علي شاطئ البحر، وكذلك الكنائس والأديرة التي حولها ونهبوا كل ما فيها.

ثم دخل واحد من نوتيه السفن كنيسة القديس مرقس وأدلي يده في تابوت القديس ظنا منه أن به مالا. فلم يجد إلا الجسد وقد أخذ ما عليه من الثياب. وأخذ الرأس وخبأها في سفينته ولم يخبر أحدا بفعلته هذه.

أما عمر بن العاص فإذا علم باختفاء البابا بنيامين، أرسل كتابا إلى سائر البلاد المصرية يقول فيه: "الموضع الذي فيه بنيامين بطرك النصارى القبط له العهد والأمان والسلام، فليحضر آمنا مطمئنا ليدبر شعبه وكنائسه". فحضر الأنبا بنيامين بعد أن قضي ثلاثة عشرة سنة هاربا، وأكرمه عمرو بن العاص إكراماً زائداً وأمر أن يتسلم كنائسه وأملاكها.

ولما قصد جيش عمرو مغادرة الإسكندرية إلى الخمس مدن، توقفت إحدي السفن ولم تتحرك من مكانها فاستجوبوا ربانها وأجروا تفتيشا فعثرواعلي رأس القديس مرقس. فدعوا الأب البطريرك فحملها وسار بها ومعه الكهنة والشعب وهم يرتلون فرحين حتى وصلوا إلى الإسكندرية، ودفع رئيس السفينة مالا كثيرا للأب البطريرك ليبني به كنيسة علي اسم القديس مرقس.

وكان هذا الأب كثير الاجتهاد في رد غير المؤمنين إلى الإيمان. و تنيح بسلام بعد أن أقام في الرياسة سبعا وثلاثين سنة. صلاته تكون معنا. ولربنا المجد دائما أبديا. أمين.