21 طوبة: برتانوبا

 السنكسار القبطى اليعقوبى لرينيه باسيه إعداد الأنبا صموئيل أسقف شبين القناطر وتوابعها

وفى هذا اليوم أيضاً سيرة طفلة تدعى برتانوبا. كانت فى أيام الملك البار الأرثوذكسى قسطنطين والملكة المحبة فى الله هيلانة أمه وقد انقضت سيرتها فى اليوم الحادى والعشرين من طوبه.

كان فى أيام الملك البار قسطنطين الذى قهر أعدائه بآية الصليب المقدس بعد موافاة النقية هيلانه أمه إلى بيت المقدس لتطلب الصليب وتعلنه وتشاهد مجده. وكان دير فى تخوم مدينة رومية وفيه راهبات أطهار متعبدين بالأمانة الأرثوذكسية. فالتجأت إليهم عذراء قد بلغت اثنى عشر سنة اسمها برتانوبا. صبيحة الوجه، كاملة القامة، حسنة جميلة جداً فى صيتها ومنظرها، كاملة فى كل المعانى. فقبلوها بفرح عظيم، فسألوها عن اسمها فأخبرتهم أن اسمها على المعمودية برتانوبا. فمسحوا شعرها وألبسوها الرهبانات، وبقيت تحت طاعتهن خاضعة لهن. وكانت كاملة بكل الفضائل وكل من يشاهدها متعجب لحسن صورتها وقامتها وسكنيتها وعفتها وأدبها. وإن جميع الراهبات وجميع الأخوات يحبونها لأجل تواضعها وجمالها. فحسدها الشيطان عدو كل خير. وتحقق أن الملك قسطنطين يطلب صبية جميلة يتزوجها إلى تذكار المغبوطة برتانوبا داخل بلاط الملك. وعرفه أن بجبل مدينة رومية دير للعذارى وفيه صبية عذراء لا يشاكلها امرأة فى جميع نساء العالم كله، بكل الحسن والجمال والعقل والعفاف واليقظة والأمانة. فاستشار مع عظمائه فأخبروه إنا قد سمعنا عنها أن منظرها لعجيب. وإن تحركت خواطره من قبل العدو وأمر بصقالبة وخدام وأرسلهم إلى الدير الذى فيه العذراء. ولما وصلوا طلبوها باجتهاد، ولما رأوها تعجبوا من حسنها، فحملوها للوقت من غير مشورة الرئيسة. وساروا الراهبات يبكوا خلفها وهى أيضاً باكية. وأنها قالت لهم صلوا علىَّ لينجينى الرب من هذه التجربة الردية. ولما أوصلوها إلى الملك، وفكرها فى السماء، فسألتهم مالخبر. فعرفوها أن الملك طلبك. فلم تفتر من الصلاة فى خفية حتى استحضروها بين يدى الملك. فسجدت على الأرض ونهضت فأبصرت صليباً من ذهب فوق كرسيه، فتقوى إذن قلبها.

ولما تطلع وأبصرها حسب ما قيل له، فرح جداً وامر أن يدخلوها إلى خدره حتى يتفرغ ويدخل إليها. ولما دخل انطرح فى فرشة سنية مزينة مثمنة تليق بالملوك. فنهضت برتانوبا وسجدت على الأرض. فقالت للملك تعيش يا سيدى. فقال لها إننى أريد يابرتانوبا أرفعك وأشرفك فإننى تركت سائر نساء العالمين وطلبتك تكونى لى زوجة. ليس كأمّة بل سيدة حرة خالصة لتملكى الذهب العال، والفضة النقية، وتتحلى بالحلل والحجارة الكريمة، والجواهر الرفيعة، واللؤلؤ المثمن المنطوم، وتلبسى الكساوى الفاخرة، والثياب السنية، وتولدى لى بنين كحسب صورتك وشكلك ليملكوا بعدى. ولما كف الملك من مخاطبتها. نهضت قائمة ولم ترفع وجهها إلى فوق البتة وقالت وعينيها متدمعة؛ اسمع لقولى أولاً ياسيدى الملك وأنا عبدتك، لكن وهوذا أنا فى يديك لأنك وعدتنى بكرامات تفوق مقدارى أنا أسأل الله الذى منح داود المملكة وأيد سليمان بالحكمة ورأيت أنت صليبه المقدس أن يحفظك على كرسيك أزمنة عديدة سالمة ويدع سلاطين الأرض وملوك العالم تخضع لك. اخبرنى يا سيدى الملك أولاً وأفدني من هذا الحكم. إذا ما خطب إنسان فى هذا العالم امرأة واملك عليها ويطلق لها طعاماً وكسوة وتكون تحت سلطانه ويواجلها بأن تحمل إلى مدينته، فإذا ماشاء إنساناً آخر يقتلعها منه غصب، كيف يفرض ناموس الروم يقطع به لمثل هؤلاء القوم. فقال لها الملك من تعدى وفعل هذا هو ضال وليس بمسيحى. فأجابته برتانوبا ساجدة على الأرض إن سيدى الملك تحدث مستقيماً ولقد أصاب فى خطابه. فإذا كنت تحكم بالعدل للإنسان الذى سيموت فماذا تقول لملك السماء والأرض إذا ما اقتلعت عبدته وعروسته وتهينها وتنجسها أى حجة تحتج بها وأى جواب تجيبه إذا ما افتقدك ذاك الذى أعطاك هذا المجد العظيم. ثم قد يكون بالحقيقة إذا ما أغضبناه فلا يهملنا فى العالم فلا طاقة لنا على غضبه. أما الملك لما سمع هذا إذ هو صديقاً باراً تعجب لعقلها وحكمتها، ولأجل أنه يخاف الله ويتقيه أمر لوقته فحملوها مع الإماء والصقالبة والأجناد إلى ديرها. فالتقتها الأم الرئيسة والراهبات وهم فرحين شاكرين للسيد المسيح الذى نجاها وردها بغير عيب. ولما سألوها الراهبات عرفتهم بهذا جميعه وقصت عليهم. فمجدوا الله حافظ المتوكلين عليه.

أما العدو الضد الخبيث فلم يكف عن مجاهدة هذه المغبوطة برتانوبا ومضى مسرعاً إلى بلاد الفرس حيث عباد الأوثان ونادى بذكر هذه العذراء وانتهى ذكرها لملك وثنى لا يعرف الله، وكان محباً للشهوات الردية. فأرسل جماعة من الأجناد وصقالبة وكتب كتب ماكرة إلى الملك قسطنطين مختشياً الا تصادف أجناده الروم فيذهبون بهم إلى الملك قسطنطين. وقال لأجناده امضوا إلى بلاد الروم واسألوا عن دير العذارى الذى فيه برتانوبا، وإذا وجدتموها اخطفوها وأتونى بها سريعاً واقطعوا المدة بالسفر فى الليل والنهار، وإذا ما أنتم أوصلتموها أعطيتكم الكرامات العظيمة. فخرجوا وساروا بقلق من أجل الروم، وصادفوا الدير الذى فيه العذارى، فسألوا عنها كأنهم يريدوا يتباركوا منها. ولما وجدوها اندهشوا لحسنها وتحققوا أنها المطلوبة، فحملوها للوقت بقلق عظيم ووقفوا بها إلى الملك وكانت متفكرة ماذا أصنع فى هذا القتال الردئ الذى هو أشر من الأول. لقد ذهبوا بى إلى ملك يخاف الله ولا يصنع بى شراً، فأما هذه الدفعة فهذا رجل وثنى لا يعرف الله ولعلى أجد فرصة فاستشهد بالحقيقة. ولما أحضروها ومثلوها أمامه فتطلع إليها ورمقها بشهوة عظيمة ردية وتعجب من حسنها. أما هى فلم تنظر إليه ولا تأملت زخرف بلاطه بل كان عقلها فى الموات عند السيد المسيح. فأما الملك فأمر صقالبته فزينوا مجالسه وادخلوا إليه العذراء  إلى الخدر. أما العذراء فكانت مطرقة الوجه ولم ترد أن ترفعه إلى فوق. فقال لها انتى برتانوبا التى وصل إلىَّ خبر حسنها وصيتها وصرت لا أقدر أنام لأجلها. واليوم أنا قد ظفرت بمطلوبى وهوذا أنا أكتب لك ثلاثين مدينة تسودين عليها، واسلم فى يديك مفاتيح خزائن أموالى لتملكى أرض فارس، وحجارتها الكريمة، وجواهرها الثمينة، وتصيرى لى أمرأة حرة، ويتعبد لك سائر صقالبتى وخصاياى، ويكون تحت سلطانك وطاعتك. أما هى فقالت له إن كنت قد أعجبتك وصلحت لك أنا عبدتك وأنا فى يديك واحببتنى إلى هذا المقدار، فإنى بذلك فرحة مسرورة. ولكنى قد تعبت جداً فى الطريق من السفر الصعب، وثيابى قد اتسخت، وعيد إلهى غداً، وأنا أحتاج إلى ملبوس وبخور وطيب وأن اغتسل كى أكون نقية نظيفة كحسب كرامتك. وقد احتاج إلى حطب ومكان منعزل مفرود فى عزلة لا يكون فيها أحد لأرفع قرباناً لإلهى قبل دخولى إليك ولكيلا يشاهد أحد قربانى. وأريد أن تقضى غرضى فى مسألة أخرى كى تكمل جميع مسرتى إن كنت أنا أعجبتك. فقال لها بشهوة العدو وهو فرحان مسرور، سأقضى جميع ما تحبين بفرح. قالت له قد خطر ببالى وتيقظت حواسى إنى سأموت قبلك، وهذا هو فرحى وعزائى أريد أن تقسم لى بإيمان معبوداتك المعظمة إن اليوم الذى أموت فيه تأمر بحمل رمتى إلى كورتى وتسلموها لأخوتى كى يقبرونى فى مقبرة أبائى هذا هو التفضل والإكرام المتناهى الذى تفعله معى، وتكمل صنيعه لى. فنهض الملك وأقسم لها بآلهته ومعبوداته أنه يكمل جميع مطلوباتها. وخرج من عندها وولم وليمة لعظمائه وقهارمته وسائر أجناده. ثم عمد إلى ماء ولوك وبخور وأطياب حسنة وأدخلهم إليها. وجعل الأحطاب فى موضع منعزل ليس فيه أحد، وأمر أن يوقد تحتها النار. فقامت وغسلت وجهها وأيديها وأقدامها وتركت تراجها من داخل على جسدها، ولبست ثوباً أبيضاً برانى ووقفت وصلت ورفعت بخورها وذهبت إلى حيث النار. ووقفت بالباب إلى أن اشتعلت النار، وتضرعت وطلبت من الرب السيد يسوع المسيح وقالت يا سيدى أنت مت عنى وأنا أيضاً أموت عنك فى هذه الساعة، ورشمك فى وجهى مختوماً بصورتى، وصرت لك كنة وعروسة. أسألك يا سيدى اقبل قربانى من يدى بالعاجل، اقبل نفسى لأسجد لوالدتك البتول العذراء وأنا بخاتم عذرتى. وألقت جسدها فى النار وأسلمت روحها فالتصقت ثيابها بجسدها ولم تحترق ولم تدنو النار من جسدها وشعر رأسها لم تحترق منه شعرة واحدة. ولما تطول الأمر ولم تخرج فتح الصقالبة الباب والخصايا ورأوها راقدة فى وسط النار ميتة فذهلوا ولم يستجروا يخبروا الملك. فوقفوا وبكوا لشبابها ولغربتها حتى سمع الملك فنهض بقلق عظيم ودخل. ولما رأى جسدها فى وسط النار ميتاً ذهل وضرب بيديه على بعضهم وقال بالحقيقة هذه أقلقت روحى وسخرت بى واحدة. إنها أوقرتنى حملاً ثقيلاً بإيمان وأقسام لكىأحمل جسدها إلى كورتها. فأمر للوقت أن يحمل جسدها ويحفظوها ويكفنوها بملابس ملوكية وأطياب وحملوها كالنائمة وذهبوا بها إلى ديرها. ولما خبروا الأم والأخوات خرجوا للفرس الذين أحضروها فحدثوهم بكل ما جرى لها ففرحوا ببتوليتها وحكمتها وشهادتها ومجدوا الله الذى له المجد إلى الأبد. الرب يرحمنا بصلاتها أمين.