21 طوبة: نياحة القديسة إيلارية  ابنة الملك زينون

وفي هذا اليوم أيضا تنيحت القديسة البارة إيلارية ابنة الملك زينون الذي كان أرثوذكسيا محبا للكنيسة. ولم يرزق سوى إيلارية وأختا لها اسمها تاؤبستا،  فهذبهما أبوهما وعلمهما أصول الدين القويم. ونشأت إيلارية علي حب الوحدة وخطر علي بالها فكر الرهبنة ولباس الإسكيم . فخرجت من بلاط أبيها وتزيت بزي الرجال وأتت إلى ديار مصر حيث كان عمرها وقتئذ ثماني عشرة سنة، ومن هناك قصدت برية القديس مقاريوس، وقابلت رجلا قديسا اسمه الأنبا بمويه وعرضت عليه رغبتها في الرهبنة. وترهبت باسم الراهب إيلارى. وبعد ثلاث سنين عرف القديس الأنبا بمويه أنها إيلارية ابنة الملك زينون، فكتم أمرها وجعلها في مغارة وكان يفتقدها من حين لآخر، حيث أقامت خمس عشرة سنة. وإذ لم تظهر لها لحية. ظن الشيوخ أنها خصي فكانوا يدعونها "ايلاري الخصي".

أما أختها تاؤبستا فقد اعتراها شيطان رديء، وانفق عليها والدها مالا كثيرا دون جدوى. وأخيرا أشار عليه رجال بلاطه أن يرسلها إلى شيوخ شيهيت، لأن صيت قداستهم كان قد بلغ كل البلاد الرومانية. فأرسلها مع أحد عظماء المملكة ترافقه حاشية من الجند والخدم، وسلمه كتابا إلى شيوخ البرية يبثهم ألمه، ويذكر لهم أن الله تعالى قد رزقه ابنتين، واحدة خرجت ولم تعد ولا يعلم مكانها ولا أخبارها، والأخرى قد اعتراها شيطان رديء يعذبها دواما. وكان يتمنى أن يكون له بها عزاء عن أختها، ويسألهم الصلاة عليها ليشفيها الرب مما قد ألم بها. فلما وصلت الأميرة بحاشيتها برية شيهيت وقرأ الشيوخ كتاب الملك، صلوا عليها أياما كثيرة فلم تبرأ. وأخيرا قر رأي الآباء أن يأخذها القديس إيلاري الخصي "إيلارية أختها" ويصلي عليها فامتنع. ولكن الشيوخ ألزموه فأخذها، وقد عرفت القديسة أنها أختها وأما هي فلم تعرفها. فكانت إيلارية تعانق أختها وتقبلها وتخرج فتبكي كثيرا. وبعد أيام قليلة برئت أختها من مرضها فأخذها القديس إلى الشيوخ وقال لهم: "بصلواتكم أيها الأباء قد وهبها الله الشفاء". فأعادوها إلى والدها بسلام. فلما وصلت إليه فرح مع كل أهل القصر لعودتها إليهم سالمة، وشكروا السيد المسيح كثيرا وبعد ذلك سألها: "كيف كان حالها في برية شيهيت؟" فقالت: "إن القديس إيلاري الذي أبرأها بصلاته كان يعانقها ويقبلها كثيرا". ولما علم الملك بذلك ساورته الشكوك في ذلك الراهب، وأرسل إلى الشيوخ يطلب إرسال القديس إيلاري الذي أبرأ ابنته لينال بركته. ولما أمره الشيوخ بالذهاب إليه بكي بكاء حارا أمام الشيوخ متوسلا إليهم أن يعفوه من الذهاب. فقالوا له: "هذا ملك بار محب للكنيسة المقدسة، والواجب يحتم عدم مخالفته كما أوصتنا الكتب" . وبعد جهد ذهب إلى الملك فسلم عليه هو ومن معه. ثم اختلي الملك والملكه به وقالا: "كيف كنت أيها القديس تعانق الأميرة؟"  فقال لهما الراهب: "أحضروا لي الإنجيل وتعهدا لي أنكما لا تحولا دون عودتي إلى البرية إذا أجبتكما إلى طلبكما". فأحضرا له الإنجيل وتعهدوا له كما أراد، فأجابهما إلى طلبهما ، وعرفهما بنفسه قائلا: "أنا ابنتكما إيلارية" ثم روت لهما حالها من يوم خروجها إلى تلك اللحظة، فعلا صوت والديها بالبكاء، وحدث هرج كثير في القصر، ومكثت ثلاثة أشهر، ثم أرادت العودة إلى حيث كانت، فلم يطلقاها إلا بعد أن ذكرتهما بالعهد الذي قطعاه لها. وكتب الملك إلى والي مصر يأمر أن يرسل إلى البرية كل عام مائة إردب قمح وستمائة قسط زيت وكل ما يحتاج إليه رهبان الدير. وقد اهتم الملك ببناء القلالي كما بني قصرا بديعا بدير القديس مقاريوس. ومنذ ذلك الحين ازداد عدد الرهبان في تلك البرية.

أما القديسة البارة إيلارية فقد أقامت بعد عودتها من عند أبيها إلى البرية خمس سنوات، ثم تنيحت بسلام، ولم يعلم أحد أنها كانت فتاه إلا بعد نياحتها. صلاتها تكون معنا. آمين.