30 طوبة: القديس أندراوس الصموئيلى 

عن كتاب: الأنبا صموئيل بين الماضى والحاضر للراهب القس جبرائيل السريانى،

وكتاب ضيف من السماء حياة القديس اندراوس الصموئيلى د. كمال عبد الله

ولد يوسف خليل إبراهيم ـ أبونا أندراوس الصموئيلى ـ فى عزبة بشرى حنا تبع الجفادون بمركز الفشن فى حوالى عام 1887م. وقد كانت عائلته يتسم أفرادها بالبساطة والاتكال على الله. وفى الثالثة من عمره فقد بصره وتعلم فى كُتاب ببلدة شنرى، وفى الثالثة عشر من عمره توجه إلى قرية الزورة حيث مقر دير الأنبا صموئيل وكنيسة السيدة العذراء. وقوبل قبولاً حسناً، وهناك تتلمذ على يد عريف الكنيسة كما تعلم طقوس الكنيسة وألحانها ولم تمض أكثر من عشرة أعوام حتى أتـم تعليمه وحفظه على أكمل وجه.

فى حوالى عام 1909م طلب "يوسف" الرهبنة من أبيه الروحى القمص اسحق مكسيموس رئيس الدير. يقول أبونا أندراوس بنفسه عن هذه الفترة: "جُلت لأبونا اسحق أنت بتحبنى وتعزنى، طيب رهبنى علشان أجعد معاكم هنا على طول فى الدير. فجالى نسأل أهلك بدل ما يجولوا إننا أخذناك غصب عنهم. فجلت له كامل السن اسألوه، وهم حيندانوا عنى. بعت بعد كده أبونا اسحق جاب عمى الكبير فى العيلة، وجله ابن أخوك عايز يترهبن. فرد عليه عمى وجله هو جعد معانا جد ما عاش معاكم. واحنا ربناه جد ماربتوه. رهبنه يا أبونا". فرهبنه باسم "أندراوس".

ترهبن أبونا اندراوس فى وقت كانت الحياة فى دير الأنبا صموئيل فى غاية الصعوبة، وكان على كل من يرغب الرهبنة فيه أن يضع فى قلبه حكم الموت. وكثيرون تركوا الدير، ولكن أبونا اندراوس صمد به قرابة 80 عاماً. كان الدير شبه مهجور وبه جماعة ضئيلة من الرهبان ومياهه لم تكن صالحة للشرب، جاء عليه وقت ترك فيه جميع الرهبان الدير نظراً لشظف العيش به وفقره وتركوه بـه وحده قرابة أربعة أشهر إلا أنه أصر على البقاء به رغم تذكيرهم إياه بضعفه وعجزه، وفى هذه الأثناء ظهرت لـه السيدة العذراء مريم والأنبا صموئيل وقواه حتى يعرف أنه ليس وحده ولا يخاف من عربان الصحراء، فتسلح من شبابه بالوحدة والصمت وملازمة الدير ودرس الكتاب المقدس والسؤال عما يعسر عليه فهمه ومعرفة سير الآباء القديسين، وكان يشغل عقله ويطهر حواسه بالمزامير والتسابيح والتراتيل التى أجاد حفظها منذ حداثته وكانت خير زاد لـه طوال حياته وأصبح مرتل الدير وأُطلق عليه "بلبل البرية" أو بلبل الأنبا صموئيل". ونظراً لقوته البدنية فقد اختار أن يقوم بأشق الأعمال بالدير. يؤدى جميع الأعمال المكلف بها بأمانة وطاعة وفرح وسرور دون تذمر فى تنفيذها، كان عليه أن يستخرج الماء من بئر الدير ليملأ حوض البناء. كان محباً للدير الذى ترهبن فيه ولقديس الدير الأنبا صموئيل مما دفعه وهو ضرير أن يشارك الأب بولس الصموئيلى للكشف عن مغارة الأنبا صموئيل التى طمتها الرمال، فارتقى معه الجبل الذى تقع فوقه المغارة وعملا خمسة أيام، أزاحا فيها كميات كبيرة من الرمال حتى كشفا عن مدخلها ثم نظفا مساحتها الخارجية إلى أن ظهر ممر ضيق يفضى فى النهاية إلى المحبسة التى كان يتعبد وينام بها الأنبا صموئيل وحده. وكانت السيدة العذراء قديسة الدير كثيراً ما تظهر لأبونا اندراوس بوجه باسم يدخل الفرح والتعزية إلى نفسه. فى مرة كان جالساً مع رئيس الدير ـ أبونا اسحق الصموئيلى ـ فأتى ثلاثة من الآباء السواح وأمسكوا بيده وقادوه للصلاة فلما شاهدهم أبونا اسحق التمس أن يمضى معهم فسمحوا لـه يصلى أوشية الإنجيل وقبل الذهاب إلى الكنيسة للصلاة طلبوا أن يبنى كنيسة فى مكان معين بالدير وقالوا لـه: "لاحل ولا بركة لو نزلت إلى العالم ولم تبن الكنيسة". فأطاع الرجل وبعدها اختفوا.

شهد آباء الدير أنه كانت فى فترة من الفترات أن أبونا أندراوس أحب قطة كانت تلازمه وترقد تحت كُم جلبابه لتسعد بنوم هادئ. وشهد الآباء أنها كانت تمسك بالجلباب وتمضى به إلى حيث يشاء حتى لا يعثر بعائق ما. وسمع رئيس الدير بأمرها فلم يصدق فى بادئ الأمر حتى رآها بنفسه، فأسرع نحوه مذهولاً وقَبله قائلاً: "يا أبونا دى مش قطة دى ملاك".

فى السنوات الخمس الأخيرة من عمره تدهورت صحته فقد أصيب باحتباس بولى وتضخم بالبروستاتة بالإضافة إلى هبوط فى القلب وتم نقله للعلاج فى مستشفى بالإسكندرية فكان وجوده بركة كبيرة بصمته وهدوءه  ووداعته ودعائه وبساطته فكانت كلماته تخرج من القلب لتستقر فى قلب السامع. وقد منحته السماء موهبة الصلاة على المرضى وعمل المعجزات. فكانت صلواته كلها عبارة عن ترديد مزامير السواعى وبعض الصلوات الكنسية الأخرى مُدركاً قوتها وفاعليتها فى شفاء الأمراض بإرادة الله وشفاعة أم النور والقديسين.

كان لأبونا أندراوس دعائه الجميل الذى يختم به صلواته: "يكون معاك ما يكون عليك المسيح يا ابنى". وكان يقول لتلميذه: "ياسلام يا ابونا لما ربنا يكون معاك، حاجة حلوة خالص. ولما يكون عليك ـ الله لا يقدر ولا يسمح ـ تبقى الدنيا وحشة خالص".

أخيراً بعد حياة مليئة بالصلاة والتسابيح والخدمة للآخرين. حياة مليئة بالجهاد والألم، حياة مليئة بالشكر والرضا من نفس راضية مطيعة. تنيح أبونا صموئيل يوم 7 فبراير 1988م فى الساعة العاشرة مساءً بالمستشفى بالإسكندرية عن عمر يناهز المائة عاماً ليسمع الصوت المملوء فرحاً: "نعماً أيها العبد الصالح والأمين كنت أميناً فى القليل فأقيمك على الكثير أدخل إلى فرح سيدك".

لقد قيل عنه بحق: "حقاً إن الأب الراهب اندراوس الصموئيلى كان فى الأرض ضيفاً من السماء، ثم عاد إلى عالم الروح. إننا نلتمس بركته". بركة صلواته تحفظنا ثابتين فى محبة ربنا يسوع المسيح الذى لـه المجد الدائم إلى الأبد آمين.