13 برمودة: نياحة البابا يؤنس السابع عشر البطريرك (105 ) 

وفي مثل هذا اليوم أيضا، تنيح البابا الفاضل والحبر الكامل العاقل الأنبا يؤنس السابع عشر البطريرك (105) من بطاركة الكرسي الإسكندري. وكان والدا هذا الأب مسيحيين تقيين، من أهل ملوى في الصعيد، فلما أتم السنة الخامسة والعشرين من عمره، زهد العالم الزائل ومضى إلى دير القديس أنطونيوس وترهب هناك، وكان اسمه عبد السيد، وانتقل منه إلى دير القديس الأنبا بولا بعد تعميره، فأجهد نفسه فى العبادة، وانكب علي تثقيف نفسه، فتعلم القراءة والكتابة لأنه لم يكن يعرفهما من قبل وتبحر بعد ذلك في دراسة الكتب المقدسة. وبعد أن أجهد نفسه في الفضيلة والنسك، وتزود بعلوم الكنيسة وكتبها، اختاره الآباء الرهبان ليكون قسيسا لهم علي دير أنبا بولا، فرسمه البابا يؤنس البطريرك (103) مع زميله مرجان الأسيوطي، الذي صار فيما بعد البابا بطرس السادس البطريرك(104) الذي قبله.

ولما تنيح البابا بطرس السادس البطريك (104 ) تشاور الآباء الأساقفة والأراخنة، في من يصلح للبطريركية، ووقع اختيارهم علي تقديم هذا الأب، فأحضروه من الدير إلى مصر وعملوا قرعة هيكلية ـ كما جرت العادة ـ وبعد القداسات التي أقيمت لمدة ثلاثة أيام تمت القرعة فسحب اسمه فرسم بطريركا في كنيسة الشهيد مرقوريوس أبي سيفين بمصر القديمة في يوم الأحد 6 طوبة سنة 1443ش (12 يناير سنة 1727م). وبعد رسامته وقبل قراءة الإنجيل فتحوا باب مقبرة الآباء البطاركة ليأخذ ـ كالعادة ـ الصليب والعكاز من المتنيح سلفه، فلما نزل المقبرة وأخذ الصليب، طقطق العظم في المقبرة في وجهه ففزع لوقته، وأمر بإبطال هذه العادة قائلا: "إن الصلبان أو العكاكيز كثيرة". ثم أبطل هذا التقليد. وكان الغرض منه أن يتعظ الخلف من مصير السلف، حتى لا يغتر بالمركز ويتكبر، فتكون رؤيته لمصير سلفه عظه وعبرة دائمة أمامه. ولبث البابا بعد رسامته مقيما أسبوعا في مصر القديمة، وبعدها توجه إلى القلاية البطريركية بحارة الروم.

واهتم هذا البابا بتشييد الكنائس والأديرة وترميمها وتكريسها، فتم في مدة رئاسته تشييد كنيسة حسنة بدير القديس العظيم الأنبا بولا أول السواح بجبل نمر. وكرسها بنفسه، وكان في صحبته الأنبا أبرآم أسقف البهنسا، وجماعة من الأراخنة، وعلي رأسهم الأرخن جرجس السروجي، الذي قام بنفقات هذه الكنيسة. وبعد هذا قام البابا ببناء كنيسة مقدسة ومائدة ومبان مختلفة بدير القديس الجليل الأنبا أنطونيوس أبى الرهبان وكرسها أيضا بيده الكريمة، ورسم هناك قمامصة وقسوسا وشمامسة، وقام كذلك بالصرف علي هذه العمارات الأرخن المكرم جرجس السروجي. وفي السنة التاسعة من رئاسته أي في سنة 1451ش. وردت الأوامر السلطانية بزيادة الضرائب في أرض مصر علي النصارى واليهود ثلاثة أضعاف مقدارها.

فكانت ضرائب الطبقة العالية أربعة دنانير والمتوسطة دينارين والأخيرة دينارا واحدا. ثم زيدت بعد ذلك وفرضت على فئة القسوس والرهبان والأطفال والفقراء والمتسولين ولم يستثنوا منها أحدا. وكان الملتزمون بتحصيلها يحضرون سنويا من قبل السلطان فكانت أيامه شدة وحزن علي أرباب الحرف والفقراء.

وحدث في أيامه غلاء عظيم، أعقبه زلزال كبير بمصر، استمر في نصف الليل مقدار ساعة، حتى تزعزعت أساسات الأرض، وتهدمت المنازل، وارتجف الناس، ثم رحم الله شعبه ورفع عنهم هذه الشدائد المرة.

ولما تنيح الأنبا خريستوذلو الثالث والثاني بعد المائة من مطارنة كرسي أثيوبيا في سنة 1742م، حضر إليه في السنة السابعة عشرة من رئاسته أي في سنة 1460ش(1744م) جماعة من أثيوبيا يطلبون لهم مطرانا فرسم لهم الراهب يوحنا أحد قسوس دير أبيا العظيم أنبا أنطونيوس، ودعاه يؤنس الرابع عشر في الاسم وعادوا به فرحين.

وقد عمر هذا البابا طويلا، وعاش في شيخوخة صالحة راعيا شعبه الرعاية الحسنة، ولما أكمل سعيه مرض قليلا وتنيح بسلام في يوم اثنين البصخة 13 برمودة سنة 1461ش (20 أبريل سنة 1745م) بعد أن جلس علي الكرسي ثماني عشرة سنة وثلاثة أشهر وثمانية أيام. ودفن بمقبرة الأباء البطاركة بكنيسة مرقوريوس أبى سيفين بمصر القديمة. وقد كان معاصرا للسلطان أحمد الثالث والسلطان محمود الأول، وخلا الكرسي بعده مدة شهر واحد عشر يوما. نفعا الله ببركاته.

ولربنا المجد دائما. آمين.