4 مسرى: القديس الأنبا ويصا تلميذ الأنبا شنودة رئيس المتوحدين

 عن كتاب : روحانية التسبحة حسب طقس الكنيسة الكنيسة القبطية الأرثوذكسية ـ الأنبا متاؤس

كان والده من مدينة ابصاى (المنشأة حالياً أحد مراكز محافظة سوهاج) وكان غنياً وكان محباً للرحمة وافتقاد المحتاجين، وكان يصنع ثلاثة أعياد كل شهر:

1ـ عيد رئيس الملائكة الجليل ميخائيل فى الثانى عشر من الشهر.

2ـ عيد العذراء مريم فى الحادى والعشرين منه.

3ـ عيد البشارة والميلاد والقيامة فى التاسع والعشرين منه.

وكان يطلب من الله أن يرزقه ولداً فاستجاب الله طلبته ورزقه هذا القديس فأسماه ويصا الذى تفسيره أبو الحسن.(ويصا اسم معبود مصرى قديم)

ولما أكمل ويصا خمس سنوات سلمه إلى معلم حكيم ماهر فتعلم الكتب الآلهية والعلوم الكنيسة وكان ينمو فى النعمة والمعرفة ويتردد على البيعة للصلاة والعبادة.

ولما بلغ ويصا سن الشباب سلمه أبوه أرضاً ليزرعها بنفسه فغرس فيها أشجار كروم وزيتون، وكان الشاب ويصا يشتهى أن يلبس ثياب الرهبنة والإسكيم المقدس وكان يصلى كثيراً ليدبر الله حياته ويسهل الطريق قدامه.

عرف والده التقى رغبته فى ذلك فأخذه وذهب به إلى دير القديس العظيم الأنبا شنودة الأرشمندريت، وبينما هما فى الطريق ظهر ملاك الرب للأنبا شنودة وأعلمه بقدوم الشاب ويصا بقصد الرهبنة وأوصاه أن يقبله وهو سيكون تلميذاً له طول أيام حياته طائعاً له ومساعداً له فى كل أمور الدير، ولما وصل إلى الدير مع والده قبلهما الأنبا شنودة بفرح وأجلسهما معه. فقال الأرخن المبارك والد الشاب ويصا: "أسألك يا أبى القديس أن تقبل هذا الشاب الذى هو ابنى ليكون تلميذاً وخادماً لك وتلبسه الإسكيم الرهبانى المقدس وتشده جندياً صالحاً ليسوع المسيح إلهنا، فقبله الأنبا شنودة بعد أن نصحه واختبر صدق عزيمته وأخذ عليه الإقرار اللازم باحتمال تعب الرهبنة وبعد مدة الاختبار صلى القداس الإلهى وألبس ويصا الثياب الرهبانية المقدسة والإسكيم الملائكى وسلمه إلى أحد شيوخ الرهبان وقال لـه خذ هذا الأخ وتسلمه من مذبح الرب وعلمه طرق الرهبنة جيداً وكان الراهب ويصا ينمو فى الجهادات الرهبانية تحت إرشاد أبيه الروحى.

بعد ذلك ظهر الرب يسوع المسيح بنفسه للقديس الأنبا شنودة وقال لـه: "اقبل إليك ويصا ليكون تلميذاً خاصاً لك ويساعدك فى جميع خدماتك وتدبيرك للدير." ، وللوقت استدعاه الأنبا شنودة وأخبره بالرؤيا وجعله تلميذاً خاصاً له والثانى بعده فى تدبير شئون الدير وكان الله يساعده فى كل عمل يعمله وينجحه فى يده كما كان يفعل مع يوسف الصديق وعاش الأنبا ويصا مع أبيه الروحى الأنبا شنودة سنين عديدة طائعاً له، وقد كشف له الأنبا شنودة الكثير من أسرار جهاداته، وهو ذاته قد أعطى أن يرى إعلانات كثيرة عن ربنا يسوع المسيح له المجد.

وذات يوم بينما كان القديس الأنبا شنودة مريضاً أتى إليه المخلص وافتقده ليلاً وقال لـه: "أرسل ابنك ويصا مع بعض الأخوة الرهبان إلى الأنبا مكاريوس أسقف إدكو (قاو بالقرب من الدير) ليعينوه فى شدته، فقد ربطه الوثنيون هو وتلميذه وهم مزمعون أن يقدموهما محرقة للأوثان." ، فذهب الأنبا ويصا وجماعة الرهبان إلى هيكل الأصنام فوجدوا الأبواب مغلقة، فصلوا إلى الله فانفتحت الأبواب من ذاتها، فلما رأى الوثنيون ذلك خافوا وحلوا الأسقف وتلميذه من القيود وأطلقوهما، فطلب الأنبا ويصا من الأسقف أن يصلى لكى تنزل نار من السماء وتحرق هذا المعبد الوثنى فقال الأسقف: "فلنصل معاً" فصلوا جميعاً وإذا بلهيب نار أحاط بالمعبد وهدم جدرانه إلى الأرض وأكلت النار الأوثان مع كهنتها.

وقبل نياحة القديس الأنبا شنودة بقليل أوصاه الرب يسوع أن يعين تلميذه ويصا خلفاً له فى رئاسة الدير، وعندما ثقل المرض على الأنبا شنودة وشعر بدنو أجله دعا المتقدمين من الرهبان وقال لهم: "استودعكم الله جميعكم يا أولادى الأحباء، هوذا أنا منطلق إلى الرب. فاسمعوا من أبيكم ويصا من اليوم فصاعداً فهو الذى سيكون لكم أباً وراعياً."، وعندما اعتذر الأنبا ويصا فى اتضاع محتجاً بثقل المسئولية وعدم مقدرته على تحملها قال لـه القديس الأنبا شنودة: "بالحقيقة إن السيد المسيح هو الذى أقامك وقدمك أباً للشركة ومعلماً للرهبان فلا يتعرض لك أحد، الرب يديم عليك بركته وعلى أماكنكم المقدسة إلى الأبد، فاثبت فى سلام سائر أيامك يا ابنى."

وفعلاً بعد نياحة الأنبا شنودة قلده الرهبان رئاسة الأديرة فرعى الرهبان أحسن رعاية مدة عشرين سنة كاملة مؤيداً بقوة من الله وبفضائل الروح القدس، وكان يشدد ويشجع رهبانه البالغ عددهم ثمانية آلاف راهب بالعظات والرسائل فأثبت جدارته لخلافة معلمه الفذ القديس العظيم الأنبا شنودة، فكان بحق أعظم خلف لأعظم سلف.

ولما أكمل القديس الأنبا ويصا جهاده المقدس وأراد الله أن ينقله من هذا العالم الزائل إلى نياح الحياة الأبدية مرض بحمى شديدة فاجتمع حوله سائر ابنائه الرهبان ليعزوه ويسلموا عليه، وفى اليوم الرابع من شهر مسرى فى باكر النهار فتح فاه وأسلم الروح فقبلتها الملائكة النورانية بالتسابيح والتهليل إلى أن قدموها لملك المجد بدون عيب ولا دنس لتتنعم بالحياة الأبدية السعيدة، وكفن ابناؤه الرهبان جسده وجنزوه كما يليق بكرامته ودفنوه إلى جانب أبيه الروحى القديس الأنبا شنودة.

وما زالت توجد بمتحف نابولى بإيطاليا  مجموعة من المخطوطات باللغة القبطية الصعيدية تتضمن رسائل الأنبا ويصا ومقالاته، كذلك توجد مجموعة أخرى من المخطوطات معروفة باسم (مجموعة كرزون) محفوظة بالمتحف البريطانى تتألف من إحدى عشر رسالة كاملة وثلاث ناقصة كلها من الأنبا ويصا لرهبانه، وهى بلا شك دليل قاطع على اهتمام القديس ويصا بأولاده الرهبان الذين ينعمون برعايته.

كانت نياحة القديس الأنبا ويصا فى اليوم الرابع من شهر مسرى المبارك، وللأسف لا تذكره الكنيسة القبطية فى سنكسارها ولا تقيم له عيداً، وهو الذى خدم الرهبنة القبطية سنين عديدة بكل أمانة وبذل وإخلاص.

بركة صلواته فلتكن معنا أمين.